Quantcast
Channel: وجهات ثقافية
Viewing all 47 articles
Browse latest View live

"كما أنا"ديوان شعري للزميلة دينا الشهوان

$
0
0

صدر عن دار المفردات للنشر والتوزيع ديوان شعري للزميلة الشاعرة دينا أديب الشهوان بعنوان "كما أنا"، الديوان من القطع الصغير، يتضمن 19 قصيدة نثرية ترافقها رسوم تعبيرية بريشة الزميلة الشهوان.

 


من الديوان

جاء الذي كان قد جاء

جاءَ وقلُبُه غِناءُ الحياة
مدّ غُصنه لعصفورٍ أزرق
كان يرشُد الهواءَ.

وجاء..
سيدُ الحقائب في الشوارع اليتيمة
قلبُهُ صُندوقٌ ملون
في كفهِ بعضُ صمتٍ
وبين أصابعه حفنةٌ من كلام
وقليلٌ من همس الأصدقاء.

جاء الذي كان..
يؤثث الصباح بتنهيدةِ نقي
يقدّمُ القرابَين لدُكَّانِ الحياة
يشتري العمْرَ لليتامى
يهدينا شجراً
ويمنحنا أغنية وطن.


رامي جلال عامر مصطحباً عربيات في إطلالة على مشوار والده من العسكرية إلى الجنازة المدنية

$
0
0

في التاسعة من عمره لم يكن طفلاً عادياً حيث اضطرته الظروف للعمل مساءاً والدراسة صباحاً، العشرة قروش التي كان يحصل عليها جراء عمله أسبوعياً يسلمها لوالدته ليعين بدخله الزهيد أسرته المكونة من 7 أشقاء.

الأستاذ جلال عامر، المولود مع ثورة يوليو 1952 والتي قام بها الضباط المصريين ضد الحكم الملكي، والمتوفى 12 فبراير 2012 بعد الذكرى الأولى لثورة يناير، والتي أطاحت بالرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، لم يكن ثائر الميلاد والوفاة فحسب بل طالت ثورته كل تفاصيل حياته وصولاً للأسلوب الذي يستخدمه في كتابة المقال.

"المصريين بيموتوا بعض" كانت آخر كلمات الكاتب الساخر من الألم، قالها إثر معايشته لمشهد لم يحتمله قلبه، وذلك بعد مشاركته في مظاهرة ضد المجلس العسكري، ووقوفه على اشتباكات بين الشباب المؤيد والمعارض للمجلس العسكري، وبين تأخر وصول الإسعاف وبطؤ الإجراءات وسوء التشخيص توفي عامر الذي كتب يوماً: "المستشفي الخاص هو المكان الذي يفقد فيه المواطن نقوده، والمستشفي العام هو المكان الذي يفقد فيه المواطن حياته"، عن وفاته يقول ابنه رامي لمجلة عربيات: "لم يتخاذل جلال عامر عن المشاركة في أي فعالية لصالح مصر، لكن مشهد الاشتباكات بين المتظاهرين كان أقوى من احتماله، وبالرغم من أن أبي سريع التأثر إلا أن انهياره كان مستبعداً بالنسبة لي على الأقل، ولم تكن الأيام الأخيرة في حياته تنبئ بأي شيء، لقد ذهب فجأة كما كتب يوماً: "عابر سبيل, إبن الحارة المصرية, ليس لي صاحب، لذلك كما ظهرت فجأة سوف اختفى فجأة.. فحاول تفتكرنى"، وكانت هذه صعوبة الأمر بالنسبة لي، لم يشعر بتعب ولا ألم، كنت أفضل أن يكون هناك وداع، لكنه رحل حتى بلا وداع".

وهب قرنيته لمن فقدوا البصر في الثورة ولكن تعذر تنفيذ الوصية

الساخر الذي كتب يوماً: "البعض عينه على مصر، والبعض عينه على البرلمان" كانت عينه على ضحايا الثورة حيث أشار ابنه رامي إلى وصية كان قد أوصى بها: "أوصانا أبي بالتبرع بقرنيته كصدقة جارية عنه خاصة وأن الكثير من شباب الثورة فقد عينيه، وكان يود أن تمنح قرنيته فرصة البصر لإنسان آخر، وبالفعل بمجرد أن اخبرني الأطباء طلبت منهم أن يتم التبرع بقرنيته وذهبت لمركز متخصص في طب وجراحة العيون وأبلغتهم بوصيته لكنهم اعتذروا لعدم توفر إمكانيات حفظ القرنية في الاسكندرية، لم أنفذ هذه الوصية لأسباب خارجة عن إرادتي لكن أثق بأنه حظي بثوابها".

وعن ما إذا كانت هذه الوصية الوحيدة لعامر يضيف رامي: "لا، كانت له وصية تتعلق بدفنه، كان يفضل أن يدفن في مكان هادئ خاصة وأنه عاشق للهدوء، وبالفعل وفقنا الله في تنفيذ هذه الوصية لقد تم دفنه في مكان يتناسب مع شخصية جلال عامر".

 

 

عسكري في جنازة مدنية

العقيد جلال عامر ضابط القوات المسلحة لم يحظى بجنازة عسكرية،  لكنه حظي بجنازة حضرها الشعب الذي قال يوماً عنه: "طول عمري ضد الراجل إللى تحت بيته (كشك حراسه), ومع الراجل إللى تحت بيته (كشك سجاير)"، يقول رامي: " الجنازة العسكرية لا تقام إلا لمن هو في رتبة عميد، أو لواء، وجلال عامر كان عقيد، وإذا تم تقييم الأمر وفقاً للوائح والقانون فلا تقام له جنازة عسكرية، لكن إن تم تقييم الأمر وفق مشاركته في حرب أكتوبر ومشاركته في حرب تحرير الكويت فالوضع مختلف، ومن الصعب أن يتم التعامل معه بوزن الحديد الموجود على كتفه، على كل هذا الأمر لا يُطلب، ولن يضيف لعامر شيء، الجنازة الشعبية التي كانت لأبي كانت أهم وأفضل، وربما إن كانت جنازته عسكرية لخشي الشعب المشاركة فيها، ولعل القوات المسلحة أدركت هذا الخطأ لاحقاً حيث أرسل المشير مندوبين للعزاء، وكذلك سلاح المشاة والذي كان أبي احد منسوبيه أرسل وفداً كبيراً، ولا ننشغل كثيراً بهذا الأمر فلن يتم تذكر الجنازة كانت عسكرية أو ليست عسكرية إنما سيتم تذكر الكاتب جلال عامر".

نضال العقيد جلال عامر لم يكن عسكرياً فحسب، حيث امتلك سلاح القلم بالإضافة إلى السلاح العسكري، وكما كتب يوم: " أضحك عندما يقولون إنهم ضبطوا شحنة قمح فاسد، بالذمة القمح هوه اللى فاسد؟"، يقول رامي: "كرس جلال عامر حياته للنضال والدفاع بشتى الوسائل، فعندما كان الوطن محتلاً احتلالاً خارجياً شارك بالنضال العسكري، بينما عندما أصبح محتلاً احتلالاً داخلياً من قبل الفساد والفاسدين شارك بنضال القلم لمواجهة هذا الاحتلال، إنه اختار الطريقة الملائمة للنضال وكان دائماً مع الشعب المصري والطبقة الفقيرة منه، واختار الطريقة المناسبة للدفاع عن هؤلاء البسطاء".

التعليم من العسكرية إلى الفلسفة السياسية

الكاتب الذي كان يجد في العلم الحل والذي قال: "حاولوا أن تطفئوا حرائق الجهل ثم تضيئوا أنوار العلم… هذا هو الداء والدواء "، لم يكتف بشهادة بكالوريوس علوم عسكرية، حيث التحق أثناء عمله بسلاح المشاة في القوات المسلحة بجامعة الإسكندرية لدراسة الحقوق، وبعد مرور 3 سنوات على دراسته اضطرته ظروف الانتقال من مكان لآخر أن يتوقف عن إتمام دراسة الحقوق، لكنه وبعد أن حصل على معاش طبي -وفقاً لابنه رامي- في عام 1993, التحق بالدراسة من جديد لكن هذه المرة حصل على بكالوريوس فلسفة سياسية يظهر تأثيرها على المقالات التي كان يكتبها والتي امتازت بالعمق والبساطة في آن واحد، قراءته المتنوعة في المجالات المختلفة جعلت منه قارئ وكاتب موسوعي كما يقول ابنه رامي.

الكاتب الذكي هو الذي يحترم «القارئ» أكثر من «رئيس التحرير»!، يبدو فعلاً أنها وصفة النجاح التي كتبها عامر وجعلها أسلوب حياته، فعلى الرغم من أنه كتب بشكل احترافي ومنتظم من عام 1999 بدءاً من القاهرة الثقافية مروراً بصحيفة التجمع، ثم الأهالي، ومنها للبديل، ومنها للدستور إلي المصري اليوم، بالإضافة إلى أنه كتب في مجلة الطريق الفلسطينية، و العرب القطرية بشكل أسبوعي، وكتب في الشرق السعودية إلا أنه لم يرضخ لرئيس تحرير، ولم يصدر سوى كتاباً واحداً تحت عنوان "مصر على كف عفريت"، ولم يكن وفقاً لرامي مهتماً بجمع الكتابات ليحصل مقابلها على أموال مجمعة، يوضح رامي: "لم يتأخر جلال عامر في موضوع النشر كونه لم يهتم به ولم يسعى له، حيث يرى أنه متواجد ومتواصل مع القراء من خلال الصحيفة، ولم يهتم بجمعها ونشرها في كتاب فهو يكتب لطبقة معينة من المحتمل أنها لن تستطيع شراء الكتاب، اليوم وبعد وفاته أعمل على حفظ إنتاجه الغزير في عدة كتب وشرطي الوحيد أثناء تواصلي مع دور النشر أن تكون الدار قادرة على توزيع الكتاب داخل مصر وخارجها، ولم أقف كثيراً حول المقابل أو النسبة الخاصة بالكاتب جراء النشر".

راهب في محراب الصحافة

"مشوار" هو اسم القصة القصيرة الفائزة بجائزة نجيب محفوظ لأدب الحرب عام 1998 والتي كتبها بمناسبة مرور 25 عاماً على حرب أكتوبر، وكما برع في القصة برع عامر في كتابة المسرح وله عدد من المسرحيات التي تم نشرها وإذاعتها، إلا أن كتابة المقال أفقدته اهتماماً بكل ما عداه، إذ يعترف ابنه رامي لعربيات قائلاً: "الكتابة الصحفية ظلمت أبي، حيث جعلته راهب في محرابها وأبعدته عن كل الفنون الكتابية الأخرى والتي كان يكتبها ببراعة كالمسرح والقصة القصيرة، ما يؤسفني أن هذه الأعمال فُقدت ولم يتبقى منها سوى بقايا ورق، كتب مسلسل إذاعي منذ 15 عاماً بعنوان "الثور والحزف", لم أجد إلا 20% منه، وربما تنوع كتاباته كانت السبب وراء براعته في كتابة المقال بمختلف مجالاته سياسي، فلسفي، اجتماعي أدبي، ثقافي دون أن يكون له لون ثابت أو محدد".

"قصر الكلام" خلاصة تغريداته في الإعلام الجديد

"قُصر الكلام"، ليست عبارة تشير إلى أسلوب عامر الذي يرى في "تعديل الدستور: هو نقله من فوق المكتب إلى أرفف المكتبة" فحسب، إنما هو عنوان كتابه الثاني والذي سيكون على أرفف المكتبات وفقاً لابنه رامي خلال الأيام القادمة، حيث يضم الكتاب "التويتات" التي كتبها عامر على "تويتر" والتي أثرت على الناس، فكرة الكتاب الإشارة إلى المقال الذي خرجت منه "التغريدة" أو الجملة حيث يعرف القارئ أين ومتى كتبت العبارة والسياق الذي كتبت فيه، يضيف رامي: "سيصدر الكتاب مواكباً لذكرى الأربعين، وسيكون الكتاب هو الأول بعد وفاته، فبعد إطلاعي على أرشيف جلال عامر وجدت أن "قُصر الكلام" من الممكن أن يتم تنفيذه في خمسة أجزاء، أيضاً هناك كتاب آخر "حديث آخر الأسبوع" والذي يتضمن مقالات جلال عامر التي كتبها في كل خميس من كل أسبوع والتي تركز على البعد الاجتماعي، هناك مشروع آخر ينتج عن اعتزاز والدي بتجربة "الشرق" السعودية والتي انضم بالكتابة فيها بشكل يومي قبل وفاته بشهرين، وكان يكتب في زاويته تلك لون ثقافي مختلف سأقوم بجمع هذه المقالات في كتاب خاصة وانه أحب هذه التجربة، وهكذا يوجد الكثير جداً في تاريخه يصلح لأن يقام به كتب"

الكاتب الذي قام بالتواصل مع شباب "الفيسبوك" و"تويتر" من خلال صفحته الشخصية على كليهما سأل يوماً "متى يترك جيل «ألفيس بريسلى» السلطة إلى جيل «الفيس بوك»؟، وعلى الرغم من عدم استخدامه الانترنت، كان يتابع من خلال أبناءه كل ما يكتب له، وكان يرد على كل الاستفسارات والتعليقات التي ترده من القراء، يوضح رامي: "أبي لا يستخدم الانترنت إلا أنه كان متابعاً من خلالنا كل ما يرده من القراء سواء على الشبكات الاجتماعية أو على بريده الشخصي، وعلى الرغم من أن عدد الرسائل التي تصله على بريده الشخصي كثيرة 200-300 رسالة يومياً، إلا أنه كان مهتماً بالرد عليها من خلالي أنا أو أحد من أخواتي".

الإنسان همه الشخصي، وهو كذلك القضية، أياً كان هذا الإنسان وباختلاف دينه وعرقه، الإنسان البسيط والذي لا يستطيع أن يحمي نفسه أو يطالب بحقه، الطفل المتشرد في الشارع، وغرق العبارة، ومذبحة كنيسة القديسين 2011، هي مشاهد – وفقاً لرامي – أثرت على عامر بالدمع قبل الحبر، وهي التي دفعته للسؤال :"أين يقع الغلابة على خريطة مصر… وكيف وقعوا؟".

الساخر الذي طالب بالحرية والعدالة والعيش الكريم احترم الرأي المخالف وكن له التقدير، لكنه عاب من كان ضد الثورة وبين ليلة وضحاها بات يقول أنه احد رموزها بقوله "الثورة: حولت منافقي مبارك إلى منافقين للثورة"، يوضح رامي: "يحترم جلال عامر الاختلاف ويكن لمن كان ضد الثورة واستمر على رأيه كل التقدير والاحترام، لكنه يعيب على الناس فكرة التحول من مهادنة النظام السابق إلى مهاجمة النظام السابق خاصة وأن الأرشيف الكتابي والمرئي لهؤلاء موجود، يعيب عليهم ذلك كونهم يستغلوا بساطة الناس".

الحزب الأكثر شهرة في مصر "حزب الكنبة" كان يعول عليه جلال عامر فيما يتعلق بالنهضة المجتمعية عن طريق مشاركتهم في الانتخابات التي قال عنها:"نحرص على مراقبة «المباريات» أكثر من حرصنا على مراقبة «الانتخابات» رغم أن كليهما يتميز باللعب داخل الصندوق"- ووفقاً لرامي يعتقد عامر الأب بوجود الفساد وشراء الأصوات فكان الأمل أن يتم عملية إغراق لتلك الأصوات المباعة من خلال أعضاء "حزب الكنبة", فيقوموا بانتخاب أشخاص نزيهين".

لم يكن حزبياً ولا نقابياً

ولحزب التجمع الذي كان عامر أحد أعضاء لجنته المركزية قصة يسردها جلال الابن: "جلال عامر لا حزب له، فهو ابن اليسار المصري الذي يؤمن بالعدالة الاجتماعية والحرية، ولم يكن يرى السياسة في الانضمام لأحزاب أو (التقولب) من خلالها في قالب محدد، كان انضمامه للحزب في سنة 2001 من باب المجاملة لأصدقائه ولم يشارك في أي فعاليات للحزب على الرغم من احترامه لحزب التجمع، فجلال عامر لم يكن حزبي ولا تنظيمي وعلى الرغم من ما تضيفه نقابة الصحفيين لأعضائها إلا أنه لم يلتحق حتى بها".


  

العمل العسكري أثر على نظام عامر اليومي والذي كان يبدأ مبكراً،حيث ينتهي من كتابة مقاله في التاسعة صباحاً على الغالب، إلا أن الفنان والكاتب أثر على شخصيته برفضه للروتين، وبخلاف السواد الأعظم من الكتاب، كان يكتب وسط أبناءه ولا يفضل الانعزال عن الناس إنما الاختلاط بهم، "كانت تأتيه الفكرة وهو جالس بيننا" هكذا قال عامر الابن مضيفاً: "نلحظ انشغاله بالكتابة فننسحب ونترك له المكان وبعد وقت قصير ينتهي منها وينادينا للجلوس معه، فقد كان قلمه سلس رحمة الله عليه".

"شعارنا معروف، تناقشني أناقشك، تخالفني أقتلك"، هكذا وصف عامر الوضع في مصر، لكن الحرية والديمقراطية وغيرها من الكلمات التي كانت المادة الخام لعباراته: "مساحة الحرية تساوى حاصل ضرب «عرض المواطن» فى «طول الضابط»"، كانت- أيضاً- أسلوب حياته مع أبناءه الذكور والإناث، فلم يفرق بين الجنسين أبداً، وهو الذي كان الصديق، فاتحاً باب الحوار، أما الانتخابات التي كان يدعو لنزاهتها كان يطبقها فيما يتعلق بالتصويت حول القرارات المصيرية التي تتعلق بأحد أفراد الأسرة، لم يكن ديكتاتورياً، ولم يعاقب يوماً وفقاً لعامر الابن، حيث أن – عامر الأب- رسم الخطوط العريضة لأبنائه وترك لهم الحرية حولها، كان يحلم برئيس يحكم مصر يدفعها للتقدم لا التقهقر، وبالرغم من سخريته من الرئيس القادم في ظل الأوضاع الحالية في مصر "الرئيس المقبل ليس أحد المرشحين المحتملين لكنه أحد المرشحين المعينين" إلا أنه كرئيس دولته الصغيرة لم يكن يوماً متسلطاً.

رحل وترك حلم وأمل: "الأمل دائماً موجود، المهم أن نبدأ الإصلاح والتغيير من الكرسي الكبير للرئيس، حتى المقعد الصغير للتلميذ (سبورة الفصل وصندوق الانتخابات)!"، كما ترك على طاولة مكتبه كتاب "البجعة السوداء"، وكتاب "الكبار أيضاً يضحكون" دون أن ينتهي من قراءتهما، حيث أنه كقارئ كان يقرأ بالتوازي لا التوالي، وكما اعتاد على تجنب مركزية القرارات، اعتاد على القراءة الجماعية مع أبناءه, كان مهتماً – وفقاً لرامي- بقراءة مجلة المختار والتي توقفت عن الصدور، باحثاً عن أعدادها القديمة ملتهماً إياها كوجبة ثقافية كاملة.

الإيمان بقدرة الإنسان وتعزيز ثقته في نفسه ليست أفكار تتغذى عليها محاضرات تطوير الذات، إنما واقع لا بد أن يعيشه كل إنسان، قبل وفاة عامر بأسبوع كان هناك حوار بينه وبين عامر الابن، يحكيه رامي: "قبل وفاته بأسبوع سألته هل كنت تعتقد في التسعينات أنك ستصبح مشهوراً بهذه الصورة؟، قال: لا لم أتوقع شهرة، لكني كنت مؤمناً بقدراتي وأنني لا بد أن استغلها بالشكل الصحيح".

والدي "فكرة" خالدة

رامي جلال عامر- كاتب صحفى ويدرس المسرح- قال بعد وفاة أبيه بدقائق: "جلال عامر لم يمت، فكيف تموت الفكرة؟! الفكرة مقدر لها الخلود.. وداعا يا أبي، ألقاك قريباً"، يختم لقاء عربيات بالتأكيد على الحلم، حلمه وحلم أبيه: "مصر ستعود قوية، فالأمل في جيل الشباب القادر على التغيير، وقد ندفع الثمن باهظاً أو بخس في سبيل أن تتجاوز مصر هذه المحنة"، قائلاً لعامر الأب: أكرر قول «ناظم حكمت»: في مغيب آخر أيام عمري، سوف أراك وأرى أصدقائي، ولن أحمل معي تحت الثرى سوى حسرة الأغنية التي لم تتم".

 

ـ عربيات تنشر القصة التي كتبها الراحل "جلال عامر" عن أدب الحرب والفائزة بجائزة نجيب محفوظ:اضغط هنا

مسرحية "البيت الأسود"تجسد معاناة المرأة الفلسطينية والعراقية

$
0
0

قدم المخرج والممثل قاسم اسطنبوليمسرحية "البيت الأسود" على مسرح الأونيسكو في بيروت ضمن المهرجان المسرحي الذي تنظمه وزارة الثقافة اللبنانية للمدارس والجامعات، المسرحية مقتبسة عن "بيت بيرناردا ألبا" للكاتب الأسباني "لوركا"، والتي كتبها في ظل حكم الطاغية فرانكو، ويُقال إنها أفضل نص مسرحي كُتب عن النساء.
لقد جسدت البيت الأسود الاضطهاد والظلم الذي تعانيه المرأة الفلسطينية والعراقية في ظل ممارسات الاحتلال القمعية بحقها على كافة الأصعدة وتدور الأحداث حول خمس نساء يبحثن عن سبيل للتحرر من الظلم والعنف داخل بيت الديكتاتور في ظل صراع الخضوع والثورة، ويؤكد اسطنبولي: "نسعى من خلال العمل إلى تمكين المرأة، والحد من التهميش والعنف ضدها، بالإضافة إلى مواجهة الظلم والاحتلال بكافة الوسائل"
يذكر أن  الأسطنبولي، الذي عرض مؤخراً مسرحية "قوم يابا" في عدد من الدول الأوروبية دعماً للقضية الفلسطينية،  قدم أعمالاً سابقة تتعلق بقضايا المرأة مثل :" نساء بلا هوية" و"هوامش " و "محكمة الشعب "، كما تعتبر مسرحية " تجربة الجدار" و" زنقة زنقة " من أشهر أعماله المسرحية .

شاعر الأمريكتين "فرانسيسكو أكس ألركون": نواجه ذات المعضلات البشرية، والأدب من سبل الرد على التحديات المعاصرة

$
0
0

من أهم الأصوات الشعرية العالمية الراهنة الشاعر الأمريكي -من أصل مكسيكي- "فرانسيسكو أكس ألاركون Francisco X.Alarcón" الذي يحتل مكانة مرموقة ومتميزة ضمن هذه الأصوات، هذا الشاعر الكبير الذي على مدى أربعين عاماً ظل صاحب قضية إنسانية عظمى، حيث فضل النضال من أجل الدفاع عنها إلى آخر رمق من حياته، وهي التوفيق مابين الثقافتين الأنجلو أمريكية واللاتينية الأمريكية، وقد دفعته الأقدار إلى أن يكون حامل مشعل هذا النضال باعتباره من مواليد الولايات المتحدة ومن أصول مكسيكية وهما حسب وجهة نظره وجهان لعملة إنسانية واحدة،  وللشاعر آراء هامة في الشعر العربي والربيع العربي و قضايا أخرى نطالعها في هذا الحوار المستفيض.

شعري يعبر عن ما أعيشه، وأكتب قصائدي بلسان مولدي ولسان لغتي الأم


اشتهر أدب أمريكا اللاتينية بما يسمى رواية الواقعية السحرية، لماذا فضلت كتابة الشعر على وجه الخصوص؟
أنا على قناعة بأن الشعر له صلة وثيقة بالحاضر، يحاول القبض على ما هو بعيد المنال وكل ما يجلو عن الوصف، و يستعصى على المنطق اليومي، هو سحر اللحظة التي لا تعود أبداً، وإنه شبيه بشعور الحب والانفعالات الإنسانية الأخرى التي بوسعنا جميعاً الإحساس بها بيد أننا في العموم لا نستطيع الإحاطة بها كلية. أنا معجب بعظماء الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية على غرار "خوان رولفو وغابريال غارسيا ماركيز" و "كارلوس فوينتيس" "خوليو كورتاثار" و "ماريو فارغاس يوسا" الفائز بنوبل للآداب عام 2010"، إذ أنني على دراية بكل أعمال هؤلاء الكتاب الكبار، لكن شعري يعبر عن ما أعيشه في الحاضر وعن ظروفي الشخصية بالذات. أكتب قصائدي بالإنجليزية والإسبانية وبكلاهما معاً، انطلاقاً من الولايات المتحدة ومن المكسيك وعلى حدود البلدين التي قالت عنها الكاتبة الأمريكية المنحدرة من أصول مكسيكية - "غلوريا إفانخيلينا أنثالدوا" (عند هذه الحدود تلتقي أمريكا الأنغلو ساكسونية بأمريكا اللاتينية) وهو مكان يعتبره البعض هامشياً لكنه - و يا لها من مفارقة مُرة - صار الآن مركزاً لمعضلة إنسانية حقة. لقد اخترت الشعر أيضا لإيجازه، ففي الشعر القليل يعني الكثير، كما أنه وسيلة أدبية لها حظوتها لدى أمثالي من المنشقين لغوياً و اجتماعياً على عدة مستويات .


الشمس كرمز نجدها حاضراً بقوة في أعمالك الشعرية، ما هو السر وراء ذلك؟
لقد كانت الشمس أيقونة مهمة جداً في أمريكا الوسطى، وكانت تُعبد باعتبارها مصدراً للطاقة الحيوية، وهي لا تزال لليوم رمزاً مهما جداً في الثقافة المعاصرة للمكسيك و للمكسيكيين الموجودين في الولايات المتحدة، ومجموعتي الشعرية الأخيرة تحمل عنوان"سي- أونو- وان: قصائد للشمس الجديدة" التي أعتبرها احتفاءً بالشمس أو بمرحلة جديدة تبدأ هذا العام 2012 وتحديداً عند الانقلاب الشتوي في 21 ديسمبر، وهو في تقويم أمريكا الوسطى عبارة عن حقبة جديدة، حيث هذا اليوم يمثل الطاقة الحية أو يوم علامة الروح، أما القصيدة الأخيرة ضمن هذه المجموعة حملت عنوان"عباد الشمس" في مواجهة هذه الحقبة الجديدة. وفي سنة 1993 شاركتُ أحد الزملاء في تأسيس جمعية كُتَاب في سكرامنتو بكاليفورنيا أطلقنا عليها اسم " كُتَّاب الشمس الجديدة" كل هذا بغرض الاستعداد لهذه الحقبة المنتظرة وقد نشرت المجموعة منذ بضع سنوات ضمن مختارات ثنائية اللغة من الشعر والقصة القصيرة ولا تزال هذه المجموعة من الكتاب نشطة للغاية بسكرامنتو.

 

أحفادي وراء كتابتي شعراً للأطفال

منذ بداية خوضك لتجربة الكتابة الشعرية لم تتوقف عن الكتابة للأطفال، هل يعكس ذلك حنينك إلى الطفولة؟ وهل الكتابة للأطفال سهلة كما يزعم البعض؟
منذ سنوات وأنا أرغب في تأليف كتب شعرية مزدوجة اللغة موجهة تحديداً للأطفال لأنني لم أعثر في المكتبات العمومية والخاصة على كتب شعرية مزدوجة اللغة لحفيداتي وأحفادي الصغار، وقد تطلب تأليف أول كتبي الشعرية الخاصة بالأطفال - قرابة أربع سنوات- وسبق لي أن ذكرت في مقامات عديدة بأنه لا يوجد سوق لكتاب الطفل الشعري مزدوج اللغة في الولايات المتحدة، وأذكر أن مجموعتي (الطماطم الضاحكة وقصائد ربيعية أخرى-1997) وجدت حفاوة كبيرة عند طرحها، حيث حصدت عدة جوائز أدبية دفعة واحدة وأشاد بها النقاد والآباء والأطفال، بعدها قامت دور النشر الخاصة بكِتاب الطفل في سان فرانسيسكو بنشر ثلاثة كتب أخرى ضمن هذا المجال لإتمام سلسلتي وحتى الآن تم بيع 250 ألف نسخة من هذه السلسلة، مما يؤكد وجود سوقا رائجة للكتب الشعرية مزدوجة اللغة والموجهة للأطفال في الولايات المتحدة. ثم نشرت كتابين آخرين للشعر الخاص بالأطفال هما (قصائد الحيوانات لإيغواثو 2008) و(قصائد لحلم مشترك2005)، وحسب تجربتي فإن الكتابة للأطفال ليست بالأمر الهين والسهل مثلما يتصور البعض، ونفس الشيء أقوله بشأن الكتاب المصور للأطفال، إذ لابد من تعاون المؤلف والناشر والمصمم المختص، ومع كل هذا أعتبر أن أشعاري الموجهة للأطفال لا تختلف كثيراً عن تلك التي أكتبها للكبار، إلا في جانب التركيز على أبعادها العالمية.


للجوائز أثرها في بناء ثقتي وصوتي الشعري الخاص


ماهي الجوائز التي حصلت عليها؟ وهل أسهمت في شحذ همتك وتحفيزك للإبداع أكثر؟
صنفت جمية القراء الدولية كتاب "قصائد الحيوانات لإيغواثو 2008" كأفضل كتاب لمجتمع عالمي، كما نال جائزة اتحاد دول أمريكا اللاتينية لبرامج الدراسات باعتباره عنواناً جامعا بين الأمريكتين، أما كتابي مزدوج اللغة أيضا "قصائد لحلم مشترك 2005" فحصل عام 2006 على جائزة جون آدامس الشرفية، وكتابي الشعري مزدوج اللغة "الطماطم الضاحكة و قصائد ربيعية أخرى 1997" حصل على جائزة "بورا بلبري" الشرفية لجمعية المكتبات الأمريكية والميدالية الذهبية لمنشورات الجمعية الوطنية للآباء.
وحاز كتابي الثاني الشعري الخاص بالأطفال مزدوج اللغة "حول سرة القمر وقصائد صيفية أخرى" عام 2000 على جائزة بورا بلبري الشرفية، وفي عام 2002 حاز كتابي الرابع الشعري الخاص بالأطفال "إغوانس في الثلج، وقصائد شتوية أخرى " على جائزة بورا بلبري الشرفية مرة أخرى. واستفدت من منح " دانفورت" و" فولبرايت" كما نلت العديد من الجوائز الهامة أذكر من بينها فقط جائزة "كارلوس بليسر روبيرت فروست" الشرفية عام 1998 ضمن المسابقة الثالثة للشعر "ثيوداد خوارث تشيواوا" على الحدود المشتركة بين البلدين.
وعام 1993 نلت جائزة "الكتاب الأمريكي"، وفي نفس العام نلت جائزة "القلم أوكلاند جوزفين مايلز"، وعام 1984 جائزة "أدب تشيكانو" ، وفي أبريل عام 2002 تلقيت جائزة "كودي فريد" لجمعية كتاب منطقة خليج سان فرانسيسكو، كما كنت أحد المرشحين الثلاثة لنيل جائزة شاعر ولاية كاليفورنيا العام 2005، وبلغت مرة أخرى الدورة النهائية لشاعر هذه الولاية عام 2008.
الجوائز الأدبية كان لها أثر إيجابي للغاية على نفسي، وأتذكر عندما كنت طالباً في الدراسات العليا بجامعة ستندفورد، كان علي أن أشارك بمخطوطة شعرية في مسابقة خاصة بالكتابة الإبداعية ومعظم الطلاب شاركوا بقصائد سردية مطولة أما أنا فضلت كتابة قطعة غنائية قصيرة بعنوان " أوشام " وهي ليست من قصائد الهايكو لكونها لم تكن ذات طابع سلمي على الإطلاق.
لقد قال لي أستاذي صراحة بأن قصائدي ليست من الشعر إطلاقاً، وأرسلت بهذه المجموعة من القصائد للمشاركة في مسابقة جائزة التشيكانو الأدبية وذلك بترشيح ورعاية جامعة كاليفورنيا، وحازت على الجائزة الأولى في الشعر، وساهمت هذه الجائزة بشكل جوهري في بناء ثقتي بنفسي و بصوتي الشعري الخاص.

الشعر يحطم حدود اليأس


في زمن المجاعات والأوبئة الفتاكة، هل بوسع الشعر أن يكون عزاءاً للإنسانية؟
إنه أكثر من عزاء، وأعتقد اليوم بأن الشعر نداء عملي وصرخة من أجل التضامن الإنساني، وفي نهاية المطاف هو وسيلة للبشر لمداواة بعضهم البعض، واسمح لي ضمن هذا السياق أن أقتبس أبيات من قصيدتي التي كتبتها مؤخراً فقط حول الألغام وهي بمثابة جواب على سؤالكم:-
كل قصيدة
هي فعل إيماني
بقوة الكلمة..
هي زهرة تمرر
من يد إلى يد
و تتجذر
في القلب..
هي صلاة/ أنشودة
تنير الليل..
أغنية في صخب الضوضاء..
وشوشة أغصان شجر
على حافة صحراء هائلة
تحطم حدود اليأس
تزرع بذور الأمل المتجدد..
كل قصيدة هي دعوة للعمل
تقول" أجل" وهي تعني "لا"
وتعترف رغم خلافاتنا وخصوصياتنا
أننا نتنفس الحب والحلم

بلغ أدب أمريكا اللاتينية ذروة النجاح والانتشار العالمي، في تصورك هل هناك إمكانية لبروز مبدعين كبار من قامة "خورخي لويس بورخيس، بابلو نيرودا، وغابريال غارسيا ماركيز" دون أن ننسى بأنك أنت نفسك تعد من الأسماء الشعرية البارزة على مستوى الأمريكتين؟
صرح "أوكتافيو باث" الشاعر المكسيكي الحاصل على نوبل للآداب بأنه لأول مرة في تاريخ أمريكا اللاتينية أصبحت هذه القارة بالفعل "معاصرة " بالنسبة لكل سكان الكرة الأرضية قاطبة، والحقيقة نحن جميعاً نواجه ذات المعضلات البشرية ويعد الأدب واحداً من السبل للرد على هذه التحديات المعاصرة، وأتصور أيضا أن الناس على غرار التشيكانوس واللاتينيين ممن يعيشون "في بطن الوحش" -مثلما عبر عن ذلك الشاعر والكاتب الكوبي "خوسيه مارتي" في القرن التاسع عشر- سيكونوا في مستوى تحقيق بعض الابتكارات الأدبية المتفردة التي من شأنها إثراء حياة الجميع.

 

استخدمت "فيسبوك" لمناهضة القوانين المعادية للمهاجرين


هناك صراع محتدم ما بين اللغة الإنجليزية والإسبانية في أمريكا، ما هو تعليقك على هذا النزاع اللغوي والثقافي وحتى العرقي، علماً بأن الترجمة لا تزال تمثل جسرا ثقافيا مميزاً؟
هناك أكثر من 50 مليون لاتيني يعيشون الآن في الولايات المتحدة والغالبية الساحقة منهم لديهم صلة باللغة الإسبانية بدرجات متفاوتة، كما أن هناك وسائل إعلامية موازية للغة الإسبانية إضافة إلى الشبكات التليفزيونية والإذاعية الوطنية، وكذلك اليوميات والمطبوعات التي لا يمكن لأحد نكران وجودها، وحتى المرشحون الجمهوريون يقومون ببث نشراتهم السياسية باللغة الإسبانية، وبالنسبة لي تعتبر اللغتين الإنجليزية والإسبانية لغتي الأدبيتين أستثمرهما في كتاباتي اليومية، وقد قررت منذ بضعة سنوات الكتابة والنشر باللغتين معاً وكنت قادراً على ذلك، وبهذا صرت واحداً من مجموعة متنامية من الكتاب الأمريكيين الذين يكتبون وينشرون بأكثر من لغة واحدة.
هناك بالفعل احتكاكات ومحاولات قمع هذا الواقع المتعدد الثقافات. لقد ولدت أمي في لوس أنجلس، وفي عام 1933 خلال فترة الكساد العظيم عادت عائلتها إلى المكسيك، حيث من الصعب جدا أن تكون "مكسيكياً " في لوس أنجلس، وفيما بعد رجعت العائلة إلى كاليفورنيا والتحق أشقائها حينها إلى الجيش الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية.
في أبريل 2010 أسست صفحة "شعراء يردون على قانون 1070 في الفيسبوك جواباً على القانون المناهض للمهاجرين وكراهية الأجانب في ولاية أريزونا. لقد كان لدينا أكثر من 600.000 زائر لتلك الصفحة التي نشرت أكثر من1500قصيدة، ويشرف على تنشيط هذا الموقع ثمانية شعراء من مختلف مناطق البلاد، ساعدوني على نشر القصائد ضمن هذه الصفحة التي يزورها أكثر من 4 آلاف زائر أسبوعياً، وأصبحت هذه الصفحة منتدى عاماً مفتوحاً للتعبير الشعري و السياسي رداً على قانون 1070 وغيره من القوانين الأخرى المعادية للمهاجرين.

الشعر لا يخضع للمعايير المعهودة، والعربي شهد تحولاً جذرياً


حسب ظنك من هو أفضل شاعر حالياً في أمريكا اللاتينية؟
بالنسبة لي الشعر لا يخضع للمعايير العادية المعهودة، أنا أعتبر الشاعر "البيروفي سيزار فاييخو" نموذجاً لأفضل الشعراء الإنسانيين التقليديين، حيث أقرأ له وأستلهم أعماله كثيراً، شأنه في ذلك شأن "بابلو نيرودا، وفيديريكو غارثيا لوركا" اللذين أستحضر وجودهما على نحو دائم.


وما هو رأيك في الشعر العربي المعاصر ومن هو الشاعر المفضل لديه ؟
حسب علمي الشعر العربي منذ الخمسينيات شهد تحولاً جذرياً، لقد قرأت الشعر العربي المعاصر من خلال كتاب "مختارات من الشعر العربي المعاصر- طبعة جامعة كولومبيا 1987 للمؤلفة سلمى خضراء الجيوسي" والذي احتوى على مقدمة ممتازة، وفي الحقيقة يعجبني الكثير من الشعراء العرب على غرار السوري نزار قباني، والفلسطيني محمود درويش، والسوري علي أحمد سعيد أسبر المعروف باسم آدونيس صاحب الإضاءة المتميزة "مدخل إلى الشعر العربي 2003" كما أنني حاليا بصدد قراءة كتابه "قصائد مختارة 2010"، ومما جاء في الكتاب قصيدة "جنازة نيويورك" التي كتبها آدونيس في أعقاب زيارته لهذه المدينة عام 1971 وبمقارنة هذه القصيدة مع كتاب" شاعر في نيويورك" (1929-1930) للأسباني "فيدريكو غارثيا لوركا" فإن كلا الشاعرين لهما نظرة ثاقبة لبابل الحديثة.


توجد صلة بين التحركات الشعبية، ودور الإعلام بارز في الربيع العربي


وما هو رأي الشاعر فرانسيسكو ألركون فيما يحدث حالياً في العالم العربي؟
حاليا ثمة ثورة في العالم العربي، ربيع عربي انطلق في تونس ثم انتقل بعدها إلى مصر ثم أفضى إلى حرب أهلية في ليبيا قبل أن يسقط عرش الحاكم، وذات الشيء يحدث في البحرين وسوريا واليمن، وأنا أجد هناك صلة ما بين هذه التحركات الاجتماعية وتيار "احتلوا وول ستريت" الذي انتشر في عدة مدن وبلدات وكليات تعليمية في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وقد لعب الإعلام دورا أساسياً حاسماً ضمن هذه الحركات التي لم تسيّر من طرف زعماء أو قادة معروفين بتأثيرهم على العامة، بل عن طريق توجيه جماعي منظم وهو أمر جديد ومحفز للغاية، وحتى الجامعة التي أدرس بها حملت الوعي للعالم وقد تعرض طلبة للقمع من طرف الشرطة عندما نظموا احتجاجات سلمية استجابة لهذه الحركية، ووقتها كتبت عدداً من القصائد بالإنجليزية والإسبانية وأنا واحد ممن كتبوا تلك القصائد التي يمكن قراءتها عموديا وأفقيا مائلة أو بأي طريقة أخرى شئت.


ما هي أهم الكتب التي قرأتها حتى الآن ورسخت في وجدانك؟
لقد تأثرت واستلهمت من  كتب لها خصوصية في حياتي، مثل  قصائد الإنسان  "لسيزار فاييخو"، مائة قصيدة حب "لبابلو نيرودا"، مائة عام من العزلة " لغابريال غارثيا ماركيز"، رواية قصيرة "بيدرو بارامو"، و حرق السهوب "للكاتب المكسيكي خوان رولفو"،  والمسارات العظمى للبرازيلية "روزا غيماريش"، وكتاب "توماس ريفييرا التشيكانو" الأرض لم تبتلعه"، وكتاب أوراق العشب "وولت ويتمان" ، والغجري الرومانسي "لفيديريكو غارثيا لوركا".


نبذة عن الشاعر "فرانسيسكو ألركون" من مواليد لوس أنجلس 1954، يقيم في  الوقت الراهن بمدينة "غوادالاخارا" في المكسيك، له اثنتا عشرة مجموعة شعرية للكبار والصغار وباللغتين الإنجليزية والإسبانية معاً، وقد حاز الشاعر على أهم و أكبر الجوائز الأدبية والتكريمية في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، و حالياً يعمل في حقل التدريس بجامعة كاليفورنيا.
 

دكتور الفلسفة في التاريخ الحديث "زيد بن على الفضيل"لـعربيات

$
0
0

من عبق الورد الطائفي كانت نشأته، ومن أريجه فاحت نسمات الكلمات، وحفيف الحروف، ومن عكاظ وسوقها التاريخي الشهير تشكلت شخصيته بمخزونها الثقافي، وتبلورت ثقافته من كنزها المعرفي، وتألقت إبداعاته بين جنبات متحفها وآثارها، ومن قلاعها الأثرية ولدت أفكاره وتعانقت مع نسبه الممتد من أرض سبأ والحجاز منتمياً إلى أسرة هاشمية يمنية عريقة بقادتها وساستها، وعلمائها وفقهائها، فجمع المجد العلمي والسياسي والفكري والتاريخي على أرض الجزيرة العربية، ونشأ نشأة القوم ثرياً بعبق العلم والمعرفة متلمساً أولى خطواته من الذي أنار له الدرب، وعلمه بثغره الفصيح، ليشب على الروابط الوثيقة بينه وبين خير جليس في الأنام،  إنه الوالد الرحيم والمعلم الكريم للدكتور زيد بن علي بن عبد الكريم الفضيل الذي ينتمي نسباً وروحاً إلى أسرة آل شرف الدين الهاشمية التي كانت وما زالت أحد أهم الأسر العلمية في اليمن، عربيات التقت الدكتور زيد الفضيل الحاصل على درجة دكتوراة الفلسفة في التاريخ الحديث من قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، في دارته، لتطالع أوراقه الفلسفية، وترفرف بين أبحاثه الفكرية والتاريخية، وتقرأ بعضا من دراساته الأنثروبولجية، الدكتور والمفكر والباحث زيد الفضيل في رحلة مشوار مع عربيات :

من أين نبدأ الحكاية؟
ولدت في مدينة الطائف الجميلة وفي حارة اليمانية، المدينة القديمة المطلة على (وادي وج)، ولا زال البيت عامراً إلى اليوم، وترعرعت على أرضها، وعشت أجمل أيام طفولتي متنقلاً بين الطائف ومكة المكرمة، لأن والدتي رحمها الله كانت تحبذ البقاء في مكة المكرمة، فكان مستقرنا في حي أجياد بالقرب من الحرم الشريف .

هل والدتك من مكة؟
 والدتي ووالدي من عائلة واحدة وهي أسرة آل شرف الدين التي خرج منها الكثير من العلماء والعالمات والأدباء والأديبات، لكنها يرحمها الله كانت منجذبة للجانب الروحي ومتعلقة بأجواء الحرم الذي كان يأسرها، متغلبة على أجواء مكة الحارة بذلك الانجذاب الروحي، في حين كان والدي وعلى الرغم من مسايرته لها، ومن عشقه لأجواء الحرم المكي الروحانية، إلا أنه كان جبلي الهوى والطباع، ويميل إلى السكنى في الأجواء الباردة، لهذا كان اختياره الطائف مقراً للسكن، علاوة على أن المدينة في ذلك الوقت كانت مقراً للملك والحكومة السعودية في الصيف وذلك منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى عهد الملك خالد يرحمهم الله.

هذا يعني درست في مكة المكرمة؟
مطلقاً، درست كل المراحل التعليمية في الطائف، الإبتدائية في مدرسة عبد الله بن العباس، والإعدادية في مدرسة حطين المتوسطة، والثانوية في مدرسة هوازن، لكن كنا نقضي الإجازات الرئيسية ويومي الخميس والجمعة في مكة المكرمة.

من الذي ترك بصمة في حياتك التعليمية؟
هناك عدد من الأساتذة تركوا بصماتهم وأثروا على حياتي التعليمية ومنهم أستاذ مادة التعبير تاج السر وهو من السودان، وأستاذ مادة البلاغة والنقد عبد الهادي القرني الذي تميز بالحس المعرفي، والتذوق اللغوي، وكان يُحضر آنذاك الدراسات العليا، وكنت في حينه مهتماً اهتماماً كبيراً باللغة العربية لانحداري من بيئة علمية تهتم بها، كما كنت كثيراً ما آتي له بالحجج من الأصول المعرفية مثل كتاب الطراز للإمام يحيى بن حمزة ، وكان ينبهر كثيراً بقراءاتي، كما أن الأستاذ تاج السر أعطاني أبجديات الكتابة على النسق الروائي إن جاز التعبير لأنه كان يتصور أنني سأصبح روائياً في المستقبل، لعلي خيبتُ أمله، فلم أكتب رواية واحدة إلى الآن.

في هذه المرحلة ما دور الوالد؟
 والديَّ كان لهما الدور الكبير في كل المراحل، لكن وبما أن والدي كان من أحد العلماء المجتهدين في اللغة والدين وله مؤلفات عديدة في عدد من فنون المعرفة منها ما تمت طباعته، ومنها ما هو قيد الطبع، ومن ذلك كتابه في اللغة (مذكرة الطالب) ، فقد دربني على الحرية في التفكير منذ نعومة أظافري، عندما منحني أبجديات المناقشة.
 لم يفرض عليّ أمراً يوماً من الأيام بقدر ما كان يتحاور معي، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد حفزني في مرحلة الطفولة لقراءة القصص الخيالية لاكتساب مساحة كبيرة من التخيل، لأن الطفل في تلك المرحلة بأمس الحاجة إلى الخيال الواسع، وفي المرحلة المتوسطة دفعني لقراءة الكتب التي تُسطّر القصص البطولية والجهادية، والتي تحكي بطولات الصحابة رضوان الله عليهم، وخاصة الإمام علي كرّم الله وجهه، علاوة على قصص المروءة عند العرب التي نمّت في ذهنيتي هذه الصفة بشكل جيد .


لم نقرأ شخصية علي بن أبي طالب كما يجب

أكثر ما تلمست بقراءاتك للإمام علي كرّم الله وجهه شاعراً وبطلاً؟
التبحر في شخصية الإمام علي كرم الله وجهه أمر صعب، فهو عالم واسع بحد ذاته، ذلك أنك إن أردت أن تقرأ فيه الحكمة فستجده فارسها، وإن أردت أن تقرأ فيه العلوم البحتة فستجده مبرزاً فيها، وهكذا بالنسبة لما أطلق عليه العلماء اليوم بأصول الفقه والدين، إلى غير ذلك من المعارف، وبالتالي فأتصور أننا إلى الآن لم نستطع قراءة شخصيته قراءة كاملة وافية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد بالغ في تقديسه بعض الشيعة، كما أن بعض المنتمين للتيار السني قد حيدوه كثيراً، على أن أكثر تحليل أعجبني لشخصية الإمام علي كّرم الله وجهه كان للمفكر والأديب اللبناني جورج جورداق الذي كتب خمس مؤلفات حول شخصيته برؤية معاصرة، وانطلاقاً من ذهنية محايدة، كما أعجبت بقصيدة الشاعر اللبناني بولس سلامة، ولعل ما يجمع بين الاثنين أنهما قد أحبا الإمام علي عقلاً وليس عاطفة، وتفرساً في كثير من صفاته دون أي ضغط أو توجيه ديني على اعتبار انتمائهما للدين المسيحي الكريم

على ماذا يدل اهتمام أدباء العرب بالإمام علي كرم الله وجهه؟
يمكن القول بأن الإمام علي -كرم الله وجهه -كان موسوعة علمية فريدة من نوعها، وكيف لا وقد جعله الله باب مدينة العلم كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"أنا مدينة العلم وعلي بابه"، ولهذا فلا غرابة أن تدعي كل المعارف وصلاً به، فهو شيخ العلوم اللغوية، ومرجع مختلف العرفانيات والأداب الذوقية، وكذلك الأدب واللغة وصروف والمعاني، ولا ننسى الحكمة التي كان يتحلى بها، والذكاء المفطور عليه.

هناك من قال أن حديث باب مدينة العلم ضعيف؟
 نعم قال بذلك بعض المحدثين المعاصرين، لكن المحدث المعروف السيد الغماري أفرد كتاباً في صحة هذا الحديث.

إلى أي مدى تركت شخصية الإمام علي بن أبي طالب أثراً في حياتك المدرسية؟
شخصية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تركت أثراً كبيراً في حياتي، كيف لا وأنا أتشرف بالانتماء إليه نسباً، كما أن قيمته الوجدانية وعمق معرفته قد أثرتا بي بشكل كبير، على أني قد تأثرت أيضاً ببقية الصحابة الراشدين كأبي بكر، وعمر، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري وكثير غيرهم، الذين اتصفوا بالحكمة ورجاحة العقل، والقوة في الحق، والصرامة في الحكم، وكم كنت مغرماً في مرحلة الإعدادية بقراءة سير الصحابة والتأمل فيها .  

متى قرأت لأمثال المنفلوطي وطه حسين والعقاد؟
بدأت أقرأ كتب هؤلاء المفكرين في المرحلة الثانوية فما بعدها وهذا بفضل والدي يرحمه الله، حينها بدأت أنتقل من حالة إلى حالة جديدة، من مرحلة المراهقة المتوسطة إلى مرحلة المراهقة المتقدمة، التي يجب اجتيازها بحكمة، وكان أن تمكن والدي يرحمه الله من سد فراغها بحكمة وبصيرة، حيث اطلعت في هذه المرحلة على كتب وروايات جرجي زيدان وعلى غيرها من الروايات التي مزجت التراث بالعاطفة، فأشبعت في روحي الجانب العاطفي بكل تجلياته، وأنعشت ذهني بما يحتاجه من معلومة فكرية.

ماذا وجدت لديه؟
 من أجمل ما لاحظته عند هذا المفكر المسيحي أنه كان ملماً بكثير من تفاصيل التراث الإسلامي، وبالرغم من توجيه الانتقادات الكثيرة له في بداية الثمانينات الميلادي من القرن العشرين من قبل الصحويين الإسلامويين ، لكونه مسيحياً، وانطلاقاً من نظرية المؤامرة، إلا أني أتصور أنه كان قريباً كثيراً من نقل الواقع التاريخي كما هو وليس كما يحب أولئك الصحويين النظر إليه، إذ تشبعت رؤيتهم إلى تاريخنا بالنرجسية والمثالية، وكأن من سبق قد كانوا في كل حالاتهم مؤمنين إلى أقصى درجات الإيمان، وصالحين إلى أقصى درجات الصلاح، في حين أنهم بشر لهم همومهم ونزعاتهم وغرائزهم، فأبدعوا في كثير من الأشياء، وقصروا في أمور أخرى، وهو ما أبرزه جرجي زيدان في رواياته، فكانت تلك الروايات جامعة للواقع التاريخي والتخيل الإبداعي الذي تفرضه الحبكة الروائية، وهو الأمر الذي تتميز به الرواية عن مثيلها من النصوص التاريخية الجامدة.
 على أن ذلك لم يرق لمُنظري عهد الصحوة الذين رسموا صورة مثالية للتاريخ الإسلامي وفق منظور عقائدي خاص، فكان أن أدى ذلك إلى التشكيك والقدح في كثير من الكتابات التي لا تتوافق مع توجهاتهم الفكرية، بغض النظر عن هوية قائلها، وكان جرجي زيدان أحد أولئك الذين تم القدح فيهم، مستغلين انتماءه للدين المسيحي، على أن ذلك لم يكن هو الأساس في قدحهم بقدر ما كان مخالفته لرؤيتهم الفكرية عن تلك المرحلة بوجه عام.
 وهذا لا يعني أن زيدان كان معصوماً عن الخطأ، أو أنه قد طابق لب الحقيقة التاريخية في مجمل تفاصيل رواياته، كما لا ننسى أنه يكتب نصاً روائياً ولم يكتب بحثاً تاريخياً علمياً.

كنت جليس والدي العالم والمفكر والشاعر

ذكرت والدك كثيراً ومدى تأثيره في تربيتك، ماذا كان يعمل ومتى استقر في المملكة؟
كما تعلم عربيات أن أسرة آل شرف الدين التي أنتمي إليها، تعد من أشهر الأسر العلمية في منطقة اليمن على وجه الخصوص، وقد امتدت ليصل أبناءها إلى عدد من المناطق العربية والإسلامية، بحكم قيام الدولة العثمانية خلال حربها في اليمن بأسر عدد من أمراء أسرتنا آل شرف الدين، الذين كان يتم ترحيلهم إلى اسطنبول وفرض الإقامة الجبرية عليهم، على أن منهم من تسرب بعد ذلك وعاش في مصر، ومنهم من آثر الاستقرار في تركيا.

وبحكم انتماء والدي لهذه الأسرة العلمية والسياسية فقد شارك يرحمه الله في العمل السياسي منذ فترة مبكرة من حياته، وقاد الشباب المتعلم في سنة 1948م للثورة على الإمام يحيى حميد الدين، الذي خالف القواعد السياسية والدينية لدولة الأئمة باليمن حين حول النظام إلى حكم ملكي وراثي وفي ذلك مخالفة صريحة لمبادئ الحكم في دولة الأئمة الرافضة لذلك منهجاً وتشريعاً، والمؤكدة على مبدأ الشوروية و إلزاميتها للحاكم، علاوة على أنه كان قد نحى في حكمه منحى استبدادياً، وقام بإغلاق اليمن ومنعها من اللحاق بركب التنوير والمعاصرة جراء أسباب غير مقنعة مردها إلى خوفه من الاستعمار ورغبته في حماية اليمن من الفساد، ثم وبعد خروجه من السجن إثر فشل ثورة الدستور كما أطُلق عليها تاريخياً، التحق بعدد من الأعمال التربوية خلال عهد الإمام أحمد، الذي حرص على تقريب جيل التنويريين، حيث عمل مديراً للمدرسة التحضيرية، ثم مديراً للمدرسة الثانوية وهي أول مدرسة ثانوية باليمن، ثم التحق بالعمل الإذاعي كنائب لمدير الإذاعة، وكان أحد المحركين الرئيسيين في حراك الضباط الثوريين والشباب المستنير خلال فترة الخمسينات وصولاً إلى أحداث ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أخذ منها موقفاً معارضاً لاختلال توجهاتها السياسية، وتبعيتها للقيادة المصرية على عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ولهذا ونتيجة لمناهضته الشديدة لحركة الضباط، وصراعه المكشوف مع عديد منهم خلال تلك الفترة، وعدم تمكنهم من استقطابه إليهم، فقد تعرض لمحاولات التصفية خلال عهد الإمام أحمد وتم سجنه مراراً، وكان القرار باغتياله مع بداية أحداث الانقلاب العسكري، و تمت مهاجمته في نفس الوقت الذي باشر الضباط مهاجمة دار البشائر مقر الإمام محمد البدر، لكنه نجا وأصيبت ابنته الصغرى في حينه بجروح أدت إلى وفاتها بعد حين، وخلال فترة الحرب الأهلية تولى عدد من المناصب السياسية العليا فعمل مسؤولاً عن الإذاعة الملكية، ورئيساً للديوان الملكي الإمامي، وعضو مجلس الإمامة؛ وآثر الاستقرار في المملكة العربية السعودية بشكل نهائي منذ عام 1970م، وتم استضافته مع الأسرة بكاملها في عهد الملك فيصل يرحمه الله، وأصبحنا جزء من هذا الوطن الذي ولدت فيه، وأخذ في ممارسة حياته العلمية بشكل طبيعي وكان يُعقد في منزلنا بالطائف مجلساً ثقافياً يومياً يأتي إليه الأصحاب والخلان من أهل الطائف وغيرها من الأدباء والعلماء والسياسيين.

ما الذي كان يدور في تلك المجالس؟
ـقراءة الكثير من كتب التراث، وكان يُعطى لي دوراً في القراءة، فقرأت كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني في ذاك المجلس، وقرأت كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، وكان مجلساً يومياً يمتد من بعد صلاة العصر إلى وقت صلاة المغرب، واستمر المجلس إلى منتصف التسعينات الميلادي من القرن الماضي حتى كان انتقال والدي إلى جدة .

 في الثمانينات انتقلت من الطائف إلى الرياض للدراسة في جامعة الملك سعود، لماذا؟
 أنا وحيد والدي ولم أفكر يوماً بالذهاب إلى الرياض، وعندما ولدت كان والدي في الأربعين، ولم يدللني كما يظن البعض، بل رباني بوسطية، وأبعدني عنه وعن الأجواء المحيطة به حتى يشتد عودي، فأرسلني في عام 1983م إلى جامعة الملك سعود للدراسة، ولا شك أنها جامعة قوية ضمن الإطار الوطني، لكنني وجدت نفسي في رياض قافرة وحيداً غريباً أتطلع إلى شيء من الدفء والحنان الذي افتقدته، فعوضت ذلك بالقراءة قدر استطاعتي .

كيف يصف حاله زيد الفضيل الطالب؟
حياة موحشة، وغربة قاسية، وعالم جديد لا أعرف كنهه، مفرداته جافة، وأبجدياته قاحلة، وهواء يحتاج إلى قطرات من الأكسجين، صحراء حقيقية بكثبانها، وحضارة معمارية جامدة بمبانيها، كنت فعلاً غريب الدار والأهل والأصدقاء، المعنويات في درجة الصفر، ولم تكن الاتصالات بيني وبين أهلي متيسرة كما هو عليه الحال اليوم عبر خدمات الهاتف الجوال، ولم يكن لي من أمل إلا بالدراسة الجادة والمطالعة الحقيقية، وبدأت الرحلة الشاقة.

كيف استطعت التغلب على الصعاب؟
بدأت تتشكل معالم شخصيتي السلوكية والثقافية، وكان عليّ أن أمشي يومياً عشرات الكيلو مترات لأسمع صوت والدتي يرحمها الله وأشكو لها حالي على أمل العودة إلى حضنها الدافئ، لقد كانت امرأة عظيمة إذ لم تناقش والدي يوماً بقرار دراستي، وكل ما أسمعه منها كان تعبيراً عن الرضى والصبر، ومن المآسي أنها توفيت مبكراً بعد صراع مع المرض الخبيث في أول سنة من دراستي الجامعية، أما والدي فقد كان حريصاً على أن أستفيد من هذه التجربة، وحريصاً على أن أصلب عودي، وأسبر أغوار شخصيتي خلال مدة غربتي عنهم، وكان واضحاً أن في مخيلته مخططاً يريد تنفيذه معي، حيث كنت عندما أطلب محادثته هاتفياً، أجده يردد بأسلوب هادئ لكنه حازم (كيف حالك، هل أنت طيب، شد حيلك، انتبه لنفسك، والسلام عليكم) وعندما أطلب التحدث معه أطول من ذلك كان يفاجئني بالقول: أكتب لي رسالة بما تريد.

 إلى متى ظل هذا الحال؟
 كنت أكلم نفسي في بعض الأحيان وأقول: "أنا ولده الوحيد ويعاملني بجفاء بهذه الطريقة!، ما عهدته بخيلاً، أعرفه كريماً، ألا يشتاق إلي كما أشتاق إليه؟، ألا يعرف كم من الوقت والمسافة أقضيها حتى أصل إلى كبينة الهاتف لأحظى بسماع صوته؟، ثم بعد ذلك يقول لي : اكتب لي رسالة بما تريد!.

على ما أعتقد كان والدك يرمي إلى شيء؟
نعم ، فقد كان مربياً خبيراً، وعارفاً بخبايا الأمور، وكان يملك القدرة على استجلاء الأمور بصفاء ونضج،  قررت أن أكتب له أول رسالة ، وكانت البداية ، ويا لها من بداية ؟!
قرأت جواب والدي الأول المختصر جداً على أولى رسائلي إليه خلف رسالتي الأساسية، التي طمأنني فيها على صحته وصحة والدتي يرحمها الله، وبقية أهلي، وطلب أن أتأمل في تصويباته على رسالتي؛ وواقع الحال أن صدمتي لم تكن في إجابته المختصرة جداً، بل كانت في حجم الأخطاء الإملائية الفاحشة التي ارتكبتها حال الكتابة، وفي حينه أدركت فحوى الدرس الذي قصده معلمي حين أصر على البدء بممارسة ثقافة الكتابة بريدياً، ووعيت قيمة هذا الدرس الذي - حقا أقول - قد هز كياني، وجعلني أهبط على الأرض، لأتعلم طريقة المشي الصحيح ثانية، وكنت بحكم السن وجهل الشباب قد طفوت عالياً، ظناً مني أن المعرفة يمكن تحقيقها بالقراءة الصامتة وحسب.
ومنها بدأت المسيرة، كانت الرسالة الثانية أقل فحشاً إملائياً، وفي الثالثة بدأنا مسيرة ملاحظة الأسلوب وطريقة الكتابة، وهكذا حتى ولجت مع والدي ومعلمي عالم ما يعرف برسائل الإخوانيات، التي يتبادل فيها الأصحاب من النخب الثقافية همومهم الفكرية، ويناقشوا مواضيعهم الخلافية بكل سلاسة ويسر، وكل ذلاقة وذكاء، وجزالة وعمق،  لتمثل رسائلي تلك، أُولى بواكير إنتاجي المعرفي الذي لم ينشر بعد والذي أعتز به كثيراً .

 ما هي القضايا التي كنت تطرحها مع والدك عبر الرسائل؟
كنت أناقشه في جوانب متعددة في ذلك الوقت على الصعيد الفكري والسياسي وحتى الاجتماعي، على أني وبحكم السن وربما طبيعة القراءة خلال تلك المرحلة من العمر، كنت ميالاً لمعرفة جوانب الفكر الاشتراكي، والاشتراكية الإسلامية أو كما يقال اشتراكية أبي ذر تحديداً، إلى غير ذلك من المواضيع التاريخية وبخاصة فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي ومسيرة أئمة آل البيت النبوي التي كنت أخضعها للنقد العلمي الحاد في تلك الفترة

ماذا علمتك تلك الرسائل؟
  إن الإنسان لا يستطيع أن يعبر عما في ذهنه إلا من خلال الكتابة وحاجة الإنسان لتواصل كتابي مع الآخر فيما يعبر عنه بالإخوانيات، فكان والدي يرحمه الله التوأم الإخواني لي.

 لماذا اخترت دراسة الفلسفة؟
 لأن الفلسفة تعني لي البحث في كنه الأشياء وماهيتها، وكما هو معلوم فالفلسفة هي الحكمة، والحكمة ضالة المؤمن وحياتي كلها كانت تبحث عن الحكمة وعن ماهيتها بالرغم من أننا اليوم نأخذ المعنى بمصطلح سيء ونقول: "فلانا متفلسفاً"، كما أن انتمائي إلى المدرسة العقلية قد عزز من ذلك بشكل كبير، لاسيما وقد  كان والدي من رجالات تلك المدرسة البارزين في زمانه، وكما هو معلوم فالمدرسة العقلية تعتمد الفلسفة في تحليلها للأشياء، فلا تأخذ الأمور بمسلماتها، وإنما تهتم بالتحليل وإعمال الفكر،  هكذا عودنا والدي في المنزل وخارجه، وفي طرائق تلقي العلم والثقافة.

هذا يعني الاعتماد على المنطق؟
 أجادت عربيات، والمنطق هو التحليل والتفكير، حتى قراءتنا التراثية لم تكن قراءات مُسلّم بها، وكنا نحلل كل نص أدبي أو فكري بعد قراءته.

كانت تستشكل عليك بعض الأمور؟
 كثير من الأمور، وتعودت أن أناقش كل شيء بصراحة مع والدي.

كيف تصف دراستك في المرحلة الجامعية؟
رائعة وكنت متميزاً في مرحلة البكالوريوس ولهذا تكونت بيني وبين أساتذتي صداقة ما زالت عامرة إلى اليوم.

من هؤلاء الأساتذة؟
 الدكتور أحمد الزيلعي ، والدكتور محمد آل زلفة، والدكتور عبد الله العسكر، والدكتور عبد الله الزيدان، والدكتور عبد الله العثيمين، علاوة على الدكتور عبد العزيز الهلابي وغيرهم الكثير، وجميعهم قد أبهروني بسمتهم المعرفي وتواضعهم العلمي وأخلاقهم العالية ، فكانوا حقاً نموذجاً نفتخر به في إطارنا الأكاديمي .

عكاظ شكل شخصيتي الثقافية

اشتهرت الطائف بسوق عكاظ التاريخي كيف كان يقرأ الدكتور زيد نشاط السوق من قبل ومن بعد؟
من أكثر الأمور التي شكلت شخصيتي الوجدانية والثقافية  سوق عكاظ، ففي منتصف السبعينات كنت بالمرحلة الإعدادية حين ذهبت في رحلة علمية مع والدي ومع بعض رجالات الطائف وهم السيد زيد عباس والسيد محمد القُصيّر والشريف محمد بن منصور وجميعهم من أصحاب والدي وأعضاء مجلسنا الثقافي الذي أشرت إليه سابقاً، للوقوف على موقع سوق عكاظ التاريخي، فوقع في وجداني هذا السوق الذي يذكر بالخنساء والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وغيرهم، والأهم من ذلك زيارة سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، على أن الأمر لم يتوقف عند تلك المرحلة، حيث تجدد تأثير السوق علي في أواخر التسعينات الميلادي من القرن السالف، حين تفتق في محيط عدد من الأصدقاء الباحثين بمدينة الطائف عن إمكانية إحياء السوق مجدداً خلال فترة التنشيط السياحي صيفاً، إلا أن تلك الفكرة التي كنا  ابتدأنا تنفيذها  تم وأدها استناداً إلى وجهة نظر دينية ضيقة في حينه، أرجعت السوق برمته إلى العهد الجاهلي، ورأت أن في إحيائه بعث للجاهلية من جديد، غافلة استمرار السوق بهيئته وطبيعته الثقافية حتى سنة 129هـ ، ومتغافلة عن مشاركة الرسول في أعمال السوق لخمس سنوات إبان دعوته قبل الهجرة.

هل رسيتم على بر الأمان؟
 حاولنا في عام 2002م أنا والدكتور محمد قاري مدير الهيئة السياحية بمدينة الطائف، والدكتور عائض الزهراني، والأستاذ والقاص محمد منصور الشقحا، والأستاذ محمد البلوي، والقاص خالد خضري، والشريف المؤرخ محمد بن منصور، والأستاذ المؤرخ مناحي القثامي، وغيرهم ممن لا تحضرني أسماءهم، حاولنا أن نطرح إحياء سوق عكاظ من جديد، وأن نقيم خيمة النابغة، لكن قُضيِ على هذا المشروع مجدداً قبل ولادته بسبب بعض التوجهات المتطرفة، على أن الأمر قد تجاوز الزمن اليوم مع وجود صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي فرض إقامته بشكل دوري، ودعم وجوده مادياً ومعنوياً حتى قام على أشده اليوم، وأصبح علامة فارقة في المشهد الثقافي السعودي .

كتبت مقالاً بهذا الصدد؟
نعم، نشرت في جريدة المدينة مقالاً بهذا الخصوص، وناشدت الأمير خالد الفيصل لتبني إعادة إحياء سوق عكاظ، وجاء مقالي تعليقاً على برنامج أمير الشعراء الذي تنتجه وتبثه قناة أبو ظبي، وقلت حينها: "أن أمير الشعراء برنامج رائع وقد أعطى لمدينة أبو ظبي ما تريده من وهج إعلامي ، ولكنه فاقد للروح الشعرية لأنه لا ينتمي للمكان ولا للزمان"، وكان عنوان المقال أما آن لعكاظ أن يكون لها شاعرها.
وقد حظي المقال بقبول عند أهل الثقافة والفكر، وفيما بعد أكرمني الله بأن أشارك رسمياً في مهرجان عكاظ عام 2009م ممثلاً لنادي جدة الأدبي، حيث ألقيت محاضرة فيه بعنوان: "المشهد الثقافي السعودي : الواقع والتحديات"

المشهد الثقافي سيء، واتطلع للحرية الفكرية الإعلامية

كيف تقيم المشهد الثقافي السعودي؟
 سيء ويستحق أن يكون أفضل مما هو عليه.

ما هو السبب؟
 هناك معوقات عديدة، كالفهم الخاطئ للدين الذي يُعتبر من أول المعوقات للمشهد الثقافي السعودي، حيث لا نستطيع إلى الآن مناقشة الكثير من قضايا الفكر بحرية، وما زال لدينا إشكاليات في قضايا قد عفا عليها الزمن بدول مجاورة في الخليج العربي منذ خمسين عاما.

ما هي القضايا الفكرية الممنوع طرحها بحرية؟
 مناقشة أفكار بعض المدارس وعلى سبيل المثال لا الحصر ـ الصوفية ـ لا نستطيع أن ندرس التصوف بحرية، ولا أن نناقش فكر المعتزلة بحرية، وكل ثقافة مدرسة العقل هي من التابوه المحرم، ناهيك عن الدعوة إلى إنشاء معاهد للفنون والموسيقى، والمطالبة بممارسة بعض الحريات الخاصة كأمر قيادة المرأة للسيارة، ومفهوم الاختلاط، الذي لولا حدوث تغيير في الآونة الأخيرة مع وجود جامعة الملك عبد الله، لبقينا نعيش في قضية عقيمة مفادها هل يجوز الاختلاط أم لا يجوز؟ إلى غير ذلك من البدهيات التي لا تخالف الشرع في أساسياته وكلياته المتفق عليها إجماعاً، ومع ذلك نُفاجأ بمن يأتي ليحارب بقوة توجهك ويقوم بتبديعك وتفسيقك لمخالفتك رأيه الشرعي الذي يتصوره رأياً قطعياً لا خلاف فيه، في حين يتطلب المشهد الثقافي الحر مناقشة كل شيء بحرية، ولا يوجد محرمات في المشهد الثقافي إلا ما يتعارض مع الثابت واليقيني من الكتاب والسنة الصحيحة.

 

الملك عبد الله فتح المجال للمدارس الأخرى

إذا عدنا للتاريخ السعودي قبل أربعين عاماً، كانت المذاهب الأربعة تُدرس في الحرم المكي، أين اختفى برأيك هذا المشهد الديني؟
هناك أسباب عديدة لاختفاء مدارس المذاهب الأربعة في الحرم المكي لعل أهمها يعود إلى تغلُب الفكر السلفي الأحادي على طبيعة المشهد الديني في المملكة، الذي تصور أنه يمتلك بآرائه واجتهاداته الفقهية تطابق مع مراد الله ومقصاده، وبالتالي فلا مسوغ شرعي لتكريس الاختلاف الفقهي بين المسلمين عبر تدريس المذاهب الأربعة، ومن خلال المحافظة على ما تبقى من مقامات علمية لتلك المذاهب، ومن هنا كان ضمور التواجد المذهبي بشكل تدريجي حتى بات الحرم يمثل في شكله الظاهري مدرسة واحدة، وهيئة واحدة، حتى جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يحفظه الله الذي أراد أن يحيى حالة الانفتاح والاعتدال من جديد، فكان نداءه بالحوار بين المذاهب الإسلامية والأديان السماوية، ثم كان أمره السامي بإعادة تركيبة هيئة كبار العلماء بالمملكة لتشمل فقهاء المدارس الفقهية الأربعة بوجه خاص؛ وهو أمر يحمد له لما في ذلك من ترسيخ لحالة الاعتدال التي فرضها الإسلام وأمد عليها.

 

هل تطبق ما تعلمته من والدك على أولادك وزوجتك؟
 أعد زوجتي بمثابة الملكة بلقيس "ملكة سبأ" حيث الحكمة والرأي السديد، خاصة وأنها تنتمي إلى ذات المشرب الذي أنتمي إليه وذات العائلة التي أرجع إليها، ولهذا فأنا في حالة تعاون معها ونقاش مشترك لإدارة شؤون بيتنا الصغير بالصورة التي تعود بالنفع على أبنائنا. أما الأبناء فأنا أتعامل معهم بالثقة والصدق، وهو ما تشربته من والدي، وبخاصة في مختلف القضايا الدينية والاجتماعية والثقافية، فعلى سبيل المثال لا أقوم بممارسة أي نوع من أنواع العنف اللفظي أو المادي للتأكيد على أي قيمة نبوية راسخة، أو لفرض شريعة دينية واجبة، إذ ما أسهل أن يؤدي العبد كثيراً من واجباته الدينية خوفاً أو إرضاء لمجتمع، في حين يتغافل عن ذلك حال انفراده بنفسه، وذلك هو جوهر النفاق الذي أخذ مجتمعنا يتربى عليه دون قصد. لهذا حرصت كما حرص والدي على إعطاء أبنائي كامل حرياتهم مع تأكيد المتابعة وتوضيح خطورة أي إهمال قد يرتكبه أحدهم بجهل، وترك الباب مفتوحا للنقاش بشكل مستديم، ومن ذلك فأذكر أن والدي لم يجبرني قصرا على أداء الصلاة، بمعنى لم يضربني ولم يشدني إليها، لكنه كان دائما ما يردد في صغري قوله لي :"بُني الصلاة واجب ديني يجب عليك أن تصلي لله وليس لي، فإن أردت أن تكون معي في الآخرة ومع جدك رسول الله ومع آل البيت ومع الصحابة رضوان الله عليهم فعليك أن تؤدي الصلاة، وإذا أردت ألا تكون معنا فلا تصلي" وكان دائما ما يرسخ في ذهني "ألا أكذب وأن أصلي لله عز وجل وليس له أو للناس". لذلك لم تكن الصلاة تمثل لي هاجساً، فتربيت أن أصلي لله عز وجل حقيقة، ولا أصلي لوالدي ولا للمجتمع ولا لأحد،  وهذا هو الأصل الذي يجب أن نبني عليه  الحرية والاختيار، هذه التربية اتبعتها مع أبنائي.

دكتور زيد أنت مهتم بدراسات الأنثربولوجية أي "علم الإنسان" ولكن هناك جوانب متعددة منها الثقافية والمعتقدات والممارسات البشرية وعلم الآثار وعلم اللغة، أي الجوانب شغلت اهتمامك؟
 التطور الثقافي الفكري مهم، لكن شغلني أكثر الجانب الثقافي الإنساني أي دراسة تطور ثقافة المجتمعات، هذا الإحساس الإنساني في المجتمعات كان يهمني البحث فيه، والبحث عن خصائصه الذاتية، وطبيعة علاقاته مع الآخر.
وعلى سبيل المثال أثناء البحث في طبيعة الأسواق عند العرب، يمكن التوغل في الحدث ذاته لنتكشف على باقي المجتمع، من حيث معرفة ما هي آلية العمل فيه ؟ وكيف يتم تقسيم العمل به؟، وما هي الطبقات الموجودة ضمن إطاره؟، وما العلاقة بين مختلف التكوينات الاجتماعية داخله وعلى حدوده؟ إلى آخر ما يمكن أن يستجليه الباحث من ذلك، ولا يقتصر الأمر على ذلك فمشهدنا الثقافي واسع ويمكن دراسته عبر منافذ متعددة، كما يمكن دراسة وجودنا التاريخي من خلال محددات جديدة ليس لها علاقة بالتاريخ السياسي أو العسكري الذي ألف المؤرخون المسلمون التركيز عليه .

ماذا ينقص مجتمع الحياة الثقافية في المملكة العربية السعودية؟
 الحرية الفكرية، أكثر ما نحتاجه بشكل عام، إن الحجاز على وجه الخصوص كان يعيش حرية فكرية، والحرم المكي كان يوجد فيه أكثر من إمام وأكثر من مذهب وأكثر من عالم، وأنا لدي مبحث في ذلك أسميته "المثاقفة في التراث المكي"، وهذا الإطار من التنوع الثقافي لم يعد موجوداً اليوم، وهناك فرق شاسع بين أن تذهب "عربيات" إلى مكان وترى نسخاً كربونية، أو أن تذهب إلى مكان آخر وتجد ألواناً زاهية في هذا المكان يعطي خاصية التنوع الفسيفسائي، ولهذا نقول دائما أن أي إبداع حقيقي لا يولد إلا في أجواء كاملة من الحرية.
على أن الأمر لا يقتصر على ذلك، إذ من المهم أن تتضح الرؤية الإستراتيجية للمشروع الثقافي ذاته، بمعنى أن تكون الأهداف لحركة التفاعل الثقافي واضحة في ذهن المُشرِّع الثقافي سواء في شكله الرسمي أو الأهلي، وعند توفر ذلك ستتنامى لدينا وتيرة الحراك الثقافي في مختلف صورها المتنوعة من أدب ومسرح وفنون بصرية وسمعية، لاسيما مع ما نكتنزه من معرفة ونملكه من تراث فكري وأثري خالد، إلا أن غياب الرؤيا ووضوح الأهداف الغائية، قد حجب عنا الكثير من الأعمال الثقافية، وفشل في جانب وأثر من جانب آخر على بعض مشاريعنا الإعلامية الثقافية من مجلات ثقافية متخصصة، مقارنة ببعض الإصدارات المماثلة لها في دولة الكويت على سبيل المثال. وفي المقابل فإن نجاح أي مشروع ثقافي يستلزم غياب أو ضعف سلطة ظاهرة التوجه الأيدلوجي، سواء في شقه السياسي أو الديني، ونماء مساحة الحرية كما أشرنا بشكل مطلق وفق الضوابط الكلية العامة، حتى يتمكن الفكر والإبداع من التألق بالصورة الصحيحة، وبالتالي ازدهار أفاق وملامح المشهد الثقافي في مختلف المجالات الأنثروبلوجية، والفنون الفلسفية، والأعمال الإبداعية من مسرح ورواية وموسيقى إلى غير ذلك، كما هو الحال مع حركة النهضة الغربية، التي سمحت لعلماء عصر الأنوار، التفكير والتأليف والإبداع بحرية تامة، وكما كان الحال في عصر النهضة الإسلامية خلال القرن الثالث الهجري، حين أصبحت أفاق المدرسة العقلية هي المحرك لزمام الحركة العلمية بما تتميز به من رحابة فكرية تنطلق من ثوابتها الإسلامية الكلية حين مناقشة الموروث بمختلف أشكاله، ودون أن يكون للإحساس بثقافة المؤامرة أي تأثير سلبي على منطلق فعلها من جانب، كما لم تحبس نفسها ضمن أحكام عامة نابعة من رؤية عقل كلي لمجمل المتغيرات الثقافية، بل عملت على مناقشة مختلف تلك المتغيرات بذهنية تفصيلية دقيقة.

وعلى اعتبار أن التوجه الأيدلوجي الديني هو السائد بين أطياف المجتمع فقد كان له التأثير الأكبر على طبيعة حركية وتفاعل المشهد الثقافي المحلي، حيث ونتيجة للطبيعة التقليدية المُشكـِّلة لتكوين ذهنية بعض علماء وطلبة العلم في مجتمعنا، المؤمنة باكتنازها لمفاصل الحقيقة الربانية وفق اجتهادها ونظرها، الرافعة نبرة صوتها بشكل حجب عنها سماع غيرها من الأصوات الدينية الأخرى المعتدلة في رأيها الشرعي ومنطلقها الفكري، فقد أدى ذلك إلى ضمور نمو وتيرة الحراك الثقافي بشكل عام، حيث حجب عنا إمكانية تواجد عدد من رموز الحركة الثقافية العربية المعاصرة بحجة خروجهم عن الدين وفق منظورهم، وجعل العديد من مؤيدي الحركة الثقافية التنويرية يُحجمُون عن إبداء كثير من أرائهم خشية الوقوع في شرَك المحاكمات الفكرية من قبل سلطة الولي الوصي بحسب تعبير الدكتور معجب الزهراني . والأدهى والأمر حين يمارس هذه الولاية والوصاية الفكرية أشخاص محدودي العلم والمعرفة الشرعية، لمجرد أنهم قد ألمُّوا ببعض أبجديات العلم الشرعي، أو سمعوا قولاً عاماً من عالم شرعي يحتمل الكثير من التفصيل، فحملوه على وجه واحد، هو الذي تناسب مع فهمهم وقصدوا تطبيقه. وليت الأمر قد توقف عند ذلك، بل امتد ليصل إلى حد رفع العديد من القضايا وحشد المحاكمات الفكرية على كل من يخالف توجههم الذي ارتضوا

 

التصوف ليس مذهباً دينياً وإنما منهجاً إنسانياً
 
كيف تعرف التصوف من منظورك الشخصي؟
 التصوف هو البحث عن الحقيقة، والمتصوفة دائما ما يبحثون عن الله، والتصوف حالة روحانية تحاول أن تربط الإنسان بالقيمة الغيبية، والقيمة الغيبية في هذا الكون هي القيمة الإلهية، وأن الإنسان يحتاج حقيقة إلى أن يعيش هذه الحالة الذوقية حتى يحافظ على إنسانيته. والدليل على ذلك أن الغربيين لم يهتموا كثيراً بالدراسات الذوقية وإنما اهتموا بالدراسات العلمية، ومع ذلك وقفوا حائرين أمام بعض التصرفات الغيبية وبدؤوا في تفسيرها تفسيراً غير منطقياً كقضية الأطباق الطائرة على سبيل المثال، وهي البحث عن الماورائيات ـ البحث عن الغيبيات ـ وعندما أنكروا فكرة الغيبيات في لحظة تشدد إزاء الدين، بدؤوا بالعودة من جديد إلى الماورائيات بطريقة خاطئة، على أن التصوف يعيد الإنسان إلى الغيبيات بطريقة جميلة.

 ماذا يعني لك التصوف؟
 يعني لي التصوف الحقيقي السني الارتباط بالله بصورة خالية من التعقيد فيه، إذ فيه تعميق للارتباط بالله وبنبيه، خاصة وأننا نعيش في غبش هذا الزمان، وفي إشكالاته المتعددة، ولذلك ما أحوجنا إلى أن تستكين نفوسنا لحظة من الزمن في مجلس يُذكر فيه الله أولاً، ويذكر فيه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يُذكر فيه آل بيته والصحابة الراشدين فنشعر بالهدوء والسكينة، والتصوف ظاهرة إيجابية وقيمة إيجابية رائعة يجب الاستفادة منها.

أين يكمن الإشكال في هذه الظاهرة؟
 دخل على هذه الظاهرة عدد من التصرفات الخاطئة، مثل الدروشة ولا يمكن أن نطلق عليها تصوفاً.

ما المقصود بالدروشة، هل تعني الحضرة؟
 لا يوجد في التصوف السني مفهوم الحضرة، أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحضر المجلس ويقوم بمباركة الحاضرين، هذا المفهوم غير سليم وليس له أساس صحيح، وإنما هي من التخرصات والبدع الدخيلة على التصوف، كما أن ذلك ليس له وجود في الحجاز، مع وجوده في بعض الدول العربية، التي ساد فيها الدروشة نتيجة للجهل، وبالتالي فمن الظلم نسبتها إلى التصوف، كما من الظلم نسبة الأفعال الخاطئة إلى الإسلام، وهكذا فهذه التشوهات والدروشات لا تمت إلى حقيقة التصوف السني بصلة.

هل تعتبر نفسك متصوفاً؟
 بشكل كلي لا، لكني أحاول أن أهذب نفسي بين الفينة والأخرى.

متى يصل الإنسان إلى مرحلة التصوف؟
 عندما يصل إلى مرحلة الفناء، أي الذوبان والعشق مع الله ومع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وطالما يعيش الإنسان  حالة من حالات التفكير العقلي والمنطقي لا يمكن أن يصل إلى مرحلة التصوف، ولكن يصل إلى المفهوم الإيماني الكلي كون المنطوق الإيماني هو منطوق عقلي .

هل تقصد للوصول إلى التصوف لا بد من الانقطاع عن الحياة العملية مثل رابعة العدوية، وإبراهيم بن أدهم الذي ترك الأمارة وتفرغ للعبادة كليا والزهد في الدنيا؟
 هذه حالة ورد عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما جاءه العابد وقد تمثّلَ لله تعالى فقال له النبي: "أنا أعمل وأصوم وأفطر وأصلي وأرتاح وأتزوج النساء" لذا يجب أن يكون التصوف مطابقاً لسنة النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم، والشطط مرفوض.

هل أصبح التصوف اليوم تعبيراً عن المراء في الحجاز ؟
 لا أعتقد، ولكن وجوده قد تكرس كردة فعل إزاء الرفض الذي جوبه به، لأنه كان هناك رفض غير منطقي إزاء مجالس الذكر، وتم تشويهها ووصفها بأنها مجالس للشرك، وذلك غير صحيح أبدا، بل وفيه ظلم وتجني.

هل يحضر الدكتور الفضيل مجالس الذكر؟
بالتأكيد، وبكثرة في خلال السنة، وإذا دُعيت أذهب وأجدها فرصة لأن أعيش حالة من حالات الصفاء مع نفسي، وأحب أن أشير إلى أن التصوف ليس قضية إسلامية، وإنما قضية إنسانية، وموجودة عند كل المذاهب والكل يريد أن يصل بعلاقته مع الله سبحانه وتعالى إلى أفضل درجاتها، والتصوف ليس مذهباً دينياً بل منهجاً إنسانياً وسلوكياً، وليس حكراً على مذهب محدد.

 

 الساكنون في المملكة العربية السعودية من الأسر الهاشمية اليمنية ما حكايتهم في كتابك؟
 هذا الكتاب سببه أنني شعرت في لحظة من اللحظات بأن مجموعة أفراد الأسر التي أرتبط معها بعلاقة قرابة من ناحية الانتساب إلى النبي عليه الصلاة والسلام من الأسر التي هاجرت من اليمن إلى المملكة العربية السعودية نتيجة للأزمة السياسية التي حدثت خلال فترة الستينات والحرب الأهلية التي صاحبتها، ولهم في المملكة خمسين عاماً، وقد انفصلت أواصر علاقتنا باليمن بشكل عام نتيجة التباعد، ولم يعد بيننا وبينهم أي اتصال، فخشيت أن ينصهر هؤلاء ويضمحلوا وينسوا أنفسهم وينساهم المجتمع، وبحكم أني باحث متخصص بالأنساب وكذلك والدي لديه كتاب في هذا المجال بعنوان "الأغصان لمشجرات أنساب عدنان وقحطان" وهو أول كتاب معاصر يوصل الأنساب إلى الوقت الحاضر، ومن خلال هذا الكتاب جمعت الأسر وعرّفتُ بها، وبالتالي فكتابي الصغير جاء بمثابة دليل تعريفي فقط للأسر الموجودة في المملكة، حيث آتي باسم الأسرة ولمن يعود نسبها من آل البيت رضوان الله عليهم، وأذكر سندهم المتصل عندي والثابت، وأذكر نماذج من هؤلاء بعد أن أصبح منهم موظفون إما في قطاع حكومي أو في قطاع خاص في المملكة العربية السعودية.

لماذا قراطيسك مبعثرة؟
 طبيعتي مبعثرة، وهذه أوراق من مختلف القضايا الفكرية ولا تعبر عن دراسة محددة وهي عبارة عن مقالات مطولة، ومشكلتي الصحفية أنني أكتب بتطويل وأبحث بعمق، وهي أشبه ما تكون بدراسات مصغرة كما يخبرني بعض الأصدقاء، وهي مبعثرة من حيث الاتجاه الثقافي.

كيف تتحمل زوجتك هيفاء هذه الفوضى؟
 بأن لا تدخل مكتبي.

من يرتب لك مكتبك؟
 أرتبه بطريقة فوضوية، ولم أستطع التخلص من هذه العادة السيئة.

 

المشهد الثقافي في الرياض أعمق منه في جدة

الدكتور الفضيل يحضر الصالونات الثقافية في جدة كيف تقرأ هذا المشهد مقارنة بالرياض؟
 الصالونات الثقافية هي مشهد من مشاهد الثقافة وهي المظهر الرئيسي للتنمية الثقافية كونها تعكس واقع المجتمع، لكنها إلى الآن لم ترق إلى الشيء المطلوب الذي آمله في مدينة جدة على وجه الخصوص بالمقارنة مع مدينة الرياض، كون المشهد الثقافي في الرياض أعمق أثراً من المشهد الثقافي في جدة، سواء بالحضور أو بالخطاب الفكري، أو بالعمق الثقافي، وأصحاب رؤى فلسفية عميقة، أما الصالونات الجداوية يغلب عليها المشهد الاقتصادي أكثر لوجود رجال أعمال وسيدات أعمال.

أي الصالونات كانت تشدك في الرياض؟
 لا شك صالون الدكتور والفيلسوف والكاتب راشد المبارك، وأهم ما يميز صالون الدكتور راشد الحرية الفكرية والطرح الثقافي العميق، وكنا نستمع في التسعينات إلى قضايا لا يمكن للمرء أن يسمعها من مكان آخر في تلك المرحلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر الشيخ حسن المالكي ذاك الفقيه المشاغب إذا جاز التعبير طرح بحوثه الجريئة جداً في مجلس الدكتور راشد المبارك، وكان كتابه قراءة في كتب العقائد "المذهب الحنبلي نموذجا" الذي ينتقد فيه المذهب الحنبلي بكل صراحة ـ أساسه ـ هو محاضرة طويلة في مجلس الدكتور راشد المبارك وبحضور نخبة من العلماء السلفيين.    

هل كنت تحضر مجلساً آخر؟
 أجل كنت أحضر مجلس شيخي وأستاذي النابغة والمنصف علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر، وأرتبط معه بعلاقة جيدة امتداداً لوالدي ـ رحمه الله ـ وكان له خميسية تُعقد في الضحى حيث تبدأ الساعة العاشرة وتنتهي مع صلاة الظهر، وكان يُعتبر من أعمدة المشهد الثقافي السعودي وله وزنه في المملكة العربية السعودية، وكان يرتاد مجلسه نخبة من المثقفين والوزراء ويناقش الكثير من قضايا الأمة في تلك الخميسية، وأصبحت صالوناً ثقافياً رسمياً بعد وفاته رحمه الله.

 

إلى من يعود الفضل في ذلك؟
إلى القيادة السعودية وإلى دعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز بتكوين مؤسسة حمد الجاسر الثقافية، ومن ضمن أعمال هذه المؤسسة الصالون الثقافي الذي ما زال مستمراً إلى الآن كعادته في الصباح وفي منزله في دارة العرب، كونه صاحب ورئيس تحرير مجلة العرب، وعندما أذهب إلى الرياض أصر على حضوره.

بعد عودتك من الرياض ودراسة الدكتوراه في جامعة الملك عبد العزيز، هل شعرت بالفرق بين الجامعتين؟
 لا شك أن الجامعتين عريقتين، وهما أكثر تميزاً في العلوم الإنسانية في المملكة العربية السعودية، وحتى أُعطي الفضل لأهله لا شك أن جامعة الملك سعود كان لها الفضل في تكويني المنهجي، فأتيت إلى جامعة الملك عبد العزيز جاهزاً.

هل ترتبط بعلاقات جيدة في جامعة الملك عبد العزيز؟
تربطني علاقات جيدة بعدد من الأساتذة الذين استفدت من خبراتهم في بعض الأفكار.

أنت عضو في النادي الإعلامي السعودي، كيف تقرأ الصورة الإعلامية في السعودية؟
أطلقنا عليه جمعية الإعلاميين السعوديين، والعضوية مفتوحة لكل الإعلاميين السعوديين وغير السعوديين، وتجمع كل من يتعاطى في المجال الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء وفي مختلف مراحله ـ صحافة وكتابة ونشر وإنتاج وتصوير وإخراج ـ وهذه الجمعية لها رؤى وأفكار .

أما رؤيتي للمشهد الإعلامي اليوم فلا شك أنه متطور عما كان عليه بالأمس، لأنه خرج عن نطاق الرتابة والتقليدية، وأصبح أكثر انفتاحاً، والسبب يعود لانفتاح العالم على بعضه البعض، ونأمل أن يكون أفضل مما هو عليه، لأن بعض الدول المجاورة لديها مشهداً إعلامياً أفضل مما لدينا، بالرغم من أننا نملك المقدرة للمنافسة ولكن ما زلنا نعيش ضمن إطار البيروقراطية آملين أن نتخطاها بمساحة من الحرية الفكرية والمعتمدة في كل دول العالم، وليست الحرية المتفلتة.

متى وكيف شاركت في العمل الصحافي؟
 في مرحلة الدراسات العليا كنت محرراً ثقافياً في جريدة الرياض، وشاركت في قضايا ميدانية ثقافية، وكنت من أوائل من طرح قضية التنوع والتعايش المذهبي والإنساني وناقشتها بقوة، وجاءت مشاركتي الصحفية نتيجة لشعوري الذاتي بقصور كبير في العمل الثقافي آنذاك، نظراً لكون الذين عملوا في هذا الحقل ليسوا على مستوى عال من الحس الثقافي، وبعدها تابعت بعدة صحف وبمختلف المقالات الثقافية، ونوعاً من أنواع التفكيك في الخطاب الفكري، وفي المجال السياسي أيضا كوني أنتمي لأسرة سياسية، فالسياسة جزء من تكويني الثقافي.

بما أنك عرجت على العمل السياسي، ما هو الإشكال الذي حصل في قناة المستقلة؟
الدكتور محمد الهاشمي أعرفه من مرحلة سابقة وأعتز بمعرفته، وشرفني في منزلي لكن عندما طرحت قناة المستقلة مسألة الحديث عن التكوين الثقافي لليمن في مرحلة سابقة اتصل بي الدكتور الهاشمي عن طريق سكرتيرته الخاصة بهاتفه الخاص وطلب مني المشاركة بالحوار باعتباري باحث متخصص في التاريخ وأمتد أسرياً إلى تاريخ دولة الأئمة، غير أنني ومع بداية المشاركة تفاجأت بالمساحة الصغيرة التي منحني إياها، كما كان يقوم بمقاطعتي، ويسمح للمشاركين في الاستديو بأن يقولوا كلاماً ،على الهواء مباشرة، غير صحيح البتة دون أن يعطيني حق الرد، مع العلم أنه كثيراً ما كان يقول: "أنا أكفل للآخرين حق الرد" لذلك نوهت بقولي أنا لي حقين في هذا البرنامج حق التخصص وحق الانتماء لأنكم تتحدثون عن تاريخ الأئمة الذين أنتمي إليهم نسباً.

هل المذهب الزيدي يختلف كثيرا عن المذهب السني؟
الزيدية هي سنة الشيعة وشيعة السنة وهي جزء رئيسي من السنة وتتوافق مع السنة بنسبة 90%إلى 95%وإن اختلفت مع بقية المذاهب السنية فاختلافها معهم مثل اختلاف المذاهب السنية مع بعضها البعض، نفس اختلاف الشافعي مع أبو حنيفة مع أحمد بن حنبل مع مالك لأن الشافعي لا يتطابق مع أحمد بن حنبل، وأبو حنيفة لا يتطابق مع مالك بن أنس، ومع ذلك هم ضمن إطار السنة، هذا المفهوم هو الذي كنت أصدح به في المستقلة، لكن الدكتور الهاشمي خذلني ولم يعطني المساحة القانونية الكافية والمشروعة، ربما لحسابات سياسية لديه، فاضطررت لإعلان الانسحاب، وعبرت عنه ببيان خاص، وأشرت إلى أن ضيوفه لم يكتفوا بالتعرض لأئمة آل البيت في القرون المتأخرة، بل استهدفوا أئمة آل البيت خلال الثلاثة القرون المفضلة، عندما اتهموا الإمام القاسم الرسي المتوفى سنة 246هـ بأنه كان متأثراً بالفرس وبالثقافة الفارسية، وهذا كلام مرفوض قطعاً.

عملت بأكثر من صحيفة لأي صحيفة تسجل انتماءك؟
 الشرق الأوسط دولية وكانت لها مساحة رائعة، وجريدة الرياض تكونت مفرداتي الصحفية فيها، أما جريدة المدينة فهي أكثر الصحف السعودية التي كنت مستمراً معها كونها ذات سمة إسلامية معتدلة، ومساحة الحرية فيها جيدة وأرتبط فيها وجدانياً بحكم ارتباط اسمها بمدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام .

زوجتي الملكة بلقيس لا تنطبق عليها الأحكام

 

ما دور الزوجة في هذا النجاح؟
 الزوجة لها دور كبير في هذا النجاح، لأن المرأة تستطيع أن ترفع الرجل إلى درجات عالية، والحمد لله رب العالمين زوجتي استطاعت أن تكون الداعم الحقيقي لنجاحي، ولم تحملني عبئاً تثقلني به، نحن أهل الثقافة "معترين" بلغة أهل الشام لم نبحث عن المال وليس لدينا الوقت للبحث عنه، كما أنها اهتمت بتربية أولادي.

كم ولداً عندك؟
لدي بنتين وولدين وأكبر بناتي أثير في المرحلة الجامعية وهي مهتمة بالشأن الاجتماعي، وهي عضو في جمعية تعارف للمسؤولية الاجتماعية، ولديها نشاطات جيدة في مدينة جدة.
أما محمد فهو في المرحلة الثانوية حالياً، وابني هاشم الصغير في المرحلة الابتدائية ويبدو أنه قريب من توجهي ومحب للفنون الموسيقية، كما أحظى بابنة صغرى وهي فتون في المرحلة الإعدادية.

ماذا عن الوالدة؟
 رحمها الله وممتنٌ لها كثيراً، وأكثر ما يؤلمني أنها لم تعش خيري، لأنها توفيت وأنا ما زلت طالباً في الجامعة، لم أشعر أنني كنت قريباً منها لأنني نشأت في مجلس والدي وفي أحضانه

ألم تتربى بين بساتين الطائف؟
 كان لدينا عدداً من المزارع نذهب إليها ونمكث فيها أياماً وليال، نطرب فيها فوالدي كان يتمتع بصوت جميل، وحافظاً للألحان التراثية وكان شاعراً قوياً، ينظم الشعر باستمرار، ومعظم شعره وصفي، أو بالرثاء، وله قصائد في مدح النبي عليه الصلاة والسلام.

 ماذا تقصد بالمراثي؟
 كان يرثي حاله، ووضعه بعد رحيله من اليمن، وكيف عاش الجيل الأول 40 سنة مأساة و40سنة في حال أخرى، وما خفف هذا الألم بكل أمانة إلا استضافة المملكة العربية السعودية والملك فيصل الحانية وإكرامه هو و ملوك المملكة لهذه الأسر وتوفير الرعاية والاحترام لهم وكم كان يردد والدي مقولته "خرجنا من الحجاز وعدنا إلى الحجاز".

ألم يرثي والدتك؟
 عندما مرضت والدتي عام 1985م ونقلت إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض مكثت قرابة خمسة عشر شهراً، لم يغادر والدي المستشفى نهائياً إلى أن انتقلت إلى الرفيق الأعلى، وعندما توفيت رثاها بقصيدة طويلة من ثلاثين بيتاً مطلعها:

دعوها تستبيحُ دمي ونفسي   فما بعدُ أم زيدٍ ما يُؤسّي

فهيا يا بنات الدهرِ طُرّا       تعالي كسري رُمحي وترسي

فما شأنُ الحياةِ بغيرِ حبٍ     ولا أملٍ ولا جدٍ مُرسّي

أيا أم البنين لو أن نفسا بنفس تفتدى لفدتك نفسي

كلمة أخيرة
 الشكر الجزيل  لـ عربيات على هذا المشوار لأن حياتي ما زالت قصيرة وليس عندي الشيء الكثير.

الكاتبة الإيرانية الشهيرة ناهد رشلين: "الكتابة أنقذتني من الضياع "

$
0
0

تحدثت الكاتبة الإيرانية الشهيرة ناهد رشلينفي حوار عربيات عن رؤاها الفنية وقناعاتها الفكرية والفلسفية، وعدد من الجوانب والمحطات الهامة  التي عايشتها خلال مسيرتها الحياتية المتقاطعة مع مسيرتها الأدبية، و جسدتها بروح إنسانية وشاعرية عالية في مذكراتها الشخصية" بنات إيران"، هذه السيرة التي اختيرت عام صدورها 2006  كواحدة من بين أهم أربعة كتب حديثة النشر، فلم تلبث أن ذاع صيتها في أنحاء العالم أجمع، و قد تميز حديث الكاتبة لـ عربيات بلغته العذبة و العفوية الشبيهة كثيراً بأسلوبها في الكتابة، الذي شهد له العديد من كبار النقاد بحميميته ورشاقته وجزالته غير العادية، إليكم نص الحوار.

 

بنات إيران حررها النقاد من عقدة السير الذاتية

تعد السيرة الذاتية "بنات إيران" واحدة من أروع النصوص المترجمة إلى اللغة العربية، ما هو سر جاذبية هذا الكتاب في رأيك؟ هل هو الصدق في عرض الأفكار والحوادث؟ أم هو الأسلوب المشوق والمرهف الذي ألف به هذا الكتاب؟
أعتقد أنه مزيج من الصدق في طرح الأفكار، وأسلوب طرح الفكرة، وقد تواصل القراء مع الكتاب لكونه واقعياً ويعبر عن الراهن بالنيابة عنهم، بالنظر إلى صدق المتحدث وتفاصيل الوقائع أيضاً،غير أن هذا لا يمنع من القول بأنني بذلت جهداً ووقتا طويلاً في حياكة النص وهيكلة بناء القصة التي طورتها عبر الذاكرة، وعادة النقاد كثيراً ما يقولون على أن هذا الكتاب(السيرة الذاتية) يُقْرأ وكأنه رواية، على اعتبار أنني حاولت شد انتباه القارئ بواسطة توظيف ميكانيزمات الكتابة الروائية.

لقد قلت مرة أن الكتابة "ضرورية" للحصول على السعادة، هل أنتِ راضية عن كافة كتبك من حيث الأفكار و من حيث الأسلوب الذي كتبت به، ألا تعتقدين بأن الكتابة تحولت لديك إلى مجرد لعبة للتعويض عن سنوات المعاناة التي عشتيها خلال فترة الطفولة في بلدك إيران؟
الحقيقة أنني لما كنت بمرحلة المراهقة في إيران كنت أحب أن أنزوي جانباً في غرفتي وأكتب عن كل ما يثير انتباهي ضمن محيطي الخاص ، لقد وجدت بأن منح شكل لكل ما يبدو مفرغا من المعنى،مهمة لها مغزى. وكنت أسعد دائما حينما أكتب وأمنح شكلا إلى حالة من الفوضى و اللامعنى..ومع الوقت أضحى ذلك يمثل لدي مصدر ارتياح متأصل لا يزال مفعوله ساريا إلى غاية اللحظة الراهنة ،هذا على رغم أن ظروف حياتي تغيرت كثيرا.

لماذا اخترتِ الكتابة بالإنجليزية عوضاً عن لغتك الأم الفارسية؟
لأنني أشعر بحرية أكبر حين أكتب بالإنجليزية فهي لا تتضمن كل التداعيات السلبية التي تربطني بلغتي الأم، لقد نشأت مكبلة بالعديد من التابوهات وهذا سبب من أسباب هذا الاختيار، باختصار الانجليزية تمنحني مزيدا من الحرية للتعبير عن الأفكار والمواقف بشكل عام.

أحلم بعالم حر وأمريكا منحتني الحرية

للروائي كيبلينغ مقولة شهيرة وهي أن الشرق والغرب عالمان مختلفان و لا يلتقيان أبدا، كيف استطاعت الكاتبة ناهد تحقيق هذه المعادلة الصعبة، أقصد التوفيق بالكثير من النجاح بين الثقافة الفارسية والأمريكية ؟
كنت أحلم دائماً بعالم حر وأمريكا منحتني هذه الحرية وهذا الإمتياز، وفي ذات السياق ثمة العديد من الجوانب في ثقافتي أقدرها كثيراً و أعض عليها بنواجذي، على غرار بعض الأصوات بحنينها الخاص، وكذا دفء العلاقات الإنسانية التي تجمعني مع الآخرين..الخ، أنا أجتهد في الجمع بين الاثنين ولا أتخلى عن أحدهما مقابل الآخر.

هل المعاناة ،وحدها، كافية لخلق كاتب متألق وروائي كبير، وكيف اكتسبت هذه القدرة على الكتابة الجميلة والرائعة؟
أتصور بأن المعاناة هي التي تفتح بصيرة الإنسان على العالم، وقد يساهم ذلك في التوجه إلى ممارسة الكتابة، على صعيد آخر كان لدي شخصياً ورداً على سؤالك شغف كبير بالقراءة والمطالعة، لكوني أيضا كنت أبحث عن إجابات لأسئلتي الحارقة في بطون الكتب، ومن ثمة فإن القراءة المستديمة مهمة جداً للكاتب الذي يتطلع إلى تطوير صوته وأسلوبه الخاص في الكتابة.

تعد كتابة الشعر أسهل من حيث السرعة في التعبير عن الأحاسيس والمشاعر الآنية، لكنك اخترت الرواية لماذا ؟
كتابة الرواية والنثر عموماً أسهل وأكثر طبيعية وتلقائية بالنسبة لي، غير أن الشعر على النقيض من ذلك أجده أكثر صعوبة و تقييداً.
 

إن سفرك إلى أمريكا بغرض الدراسة ساهم في فتح عينك على الكثير من الآفاق الثقافية و الفنية وحتى الإنسانية، ومثلما ذكرت في كتاباتك ومقالاتك المختلفة أنك لا تزالين تسافرين إلى بلدك إيران من دون خوف أو وجل، فهل تعتبرين ذلك تحدياً أم هو وسيلة نضال من أجل الدفاع عن حقوق المرأة هناك؟
أجد نفسي مشدودة و منجذبة إلى العديد من جوانب ثقافتي الأصلية رغم الكثير من القيود والمعوقات، ومرة أخرى لأنني أجد هناك الكثير مما أتواصل معه.

ما هي الحدود الفاصلة ما بين الخيال والواقع في رواياتك؟
إنها مزيج من الاثنين.

هل ثمة قضايا معينة ستعالجينها ضمن روايتك القادمة، وما هي أهم مشاريعك المستقبلية ؟
أنا الآن بصدد كتابة قصص قصيرة إضافة إلى رواية سأخوض فيها مرة أخرى في قضايا الثقافات المختلفة، كما أكتب أيضا مذكرات عن أمي وعمتي في محاولة لمعرفة وجهات نظرهما وطبيعة زمانهما الخاصة.

 

هذه مشكلة الأدب العربي، ومحفوظ هو المفضل

وما هو رأيك في الأدب العربي المعاصر؟
 لست على دراية كافية بما ينشر من أدب عربي معاصر، لأنه لا توجد ترجمات كثيرة من هذا الأدب إلى اللغة الإنجليزية، على حد علمي، لكن هذا لا يمنع من كوني استمتعت فعلا بقراءة أعمال نجيب محفوظ.

وهل هناك أديب عربي تفضلين القراءة له على وجه خاص؟
"بلا تردد" إنه نجيب محفوظ .

التراث تنظم محاضرة حول بنية المدينة المنورة وعمرانها التقليدي

$
0
0

 

تنظم مؤسسة التراث الخيرية بالتعاون مع نادي المدينة المنورة الأدبي محاضرة بعنوان "المدينة المنورة بنيتها وتركيبها العمراني التقليدي"، يلقيها الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الحصين في مقر النادي مساء الثلاثاء24 أبريل 2012 برعاية شركة سولدير.

وتأتي المحاضرة في إطار منتدى التراث الثقافي الذي أطلقه الأمير سلطان بن سلمان ،رئيس المؤسسة، دعماً لدورها في تعزيز المفهوم الوطني للتراث، صرح بذلك الدكتور أسامة الجوهري المدير العام لمؤسسة التراث الخيرية الذي أوضح أن المنتدى يسعى إلى تأكيد أهمية التراث في حياتنا المعاصرة، وقدرته على التجدد والاستمرار، وإمكان استلهامه في واقعنا اليوم.

وأشار إلى أن المحاضر يتناول البنية العمرانية للمدينة المنورة، وما تحتضنه من حصون، وميادين، وأسواق، ومدارس، وأربطة، مروراً بعمارة المسجد النبوي الشريف، والتغيرات التي شهدها النسيج العمراني في مختلف عناصره.

وقدم الجوهري شكره إلى النادي الأدبي بالمدينة المنورة والذي تعاون في إقامة هذه المحاضرة القيمة، إثراءً للمعرفة، وسعياً إلى التعريف بتاريخ طيبة الطيبة، التي شرفها الله سبحانه وتعالى باحتضان المسجد النبوي الشريف،  الذي فيه قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

وقال الجوهري إن مؤسسة التراث الخيرية كانت قد أصدرت كتاباً بالعنوان نفسه في إطار اهتمامها بإصدار الكتب ذات الصلة بالتراث، ضمن جهودها في نشر الوعي بأهميته، وتلمس الطرق الكفيلة بحمايته، وتتناول هذه الإصدارات التراث بمختلف أوجهه، وانتمائه سواء منه التراث السعودي أو العربي أو الإسلامي أو الإنساني، وذلك باللغتين العربية والإنجليزية.

وأضاف الجوهري أن مؤسسة التراث الخيرية تحرص على إقامة هذا المنتدى بمناطق المملكة المختلفة، للإسهام في نشر الثقافة،  وبالتعاون الوثيق مع المؤسسات الوطنية المهتمة برعاية التراث وترسيخ الاهتمام به في المملكة على كافة المستويات.

يذكر أن التراث مؤسسة وطنية خيرية لا تسعى إلى تحقيق الربح كهدف أساسي، أنشأها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود سنة 1417ه(1996م)، انطلاقاً من حرص سموه وعنايته بالتراث، وهي تعمل على إعادة صياغة المفهوم الوطني للتراث، وتأكيد أهميته، كعنصر متجدد يستمد جذوره من الماضي، ليسهم في انطلاقة حضارية واثقة إلى مستقبل أكثر إشراقاً. ويمتد نشاطها ليشمل عدداً من المجالات المتعلقة بالمحافظة على تراث المملكة العربية السعودية بشكل خاص، والتراث العربي والإسلامي بشكـل عام.

عيش النهاردة مصر اللي بتحلم بيها بكرة

$
0
0

مصر كانت الأمل، فلما عاد الشاب (أحمد رجائي) من غربته لم يجدها كما صورتها السينما، آثر وقتها أن يكون نتاج رباطه مع (شيما يوسف) ولادة لـ "خروجات"- المطبوعة صغيرة الحجم- وكما ربط الزواج بين طريقين، دمجت "خروجات" بين مجال التصميم وخبرة رجائي فيه، والإعلام بخبرة شيما، وارتكزت خروجات على حب الشباب للإنطلاق، فلم تنادي بعكس ذلك، بل ركزت على أهم الفعاليات الثقافية والفنية في القاهرة بحيث تطرح في كل عدد شهري الفعاليات الشهرية لأبرز المراكز الثقافية.


وفي ديسمبر 2009 صدر العدد الأول، على الرغم من صعوبات دارت حول عدم إيمان المعلنين بقيمة الفكرة، استمرت تطبع شهرياً 2000 نسخة- إلى أن جمعت جمهورية التحرير -كما يحب فريق العمل تسمية (ميدان التحرير)- الشباب مجدداً، كان الهدف واحداً وقتها في الميدان، وكان المدينة الفاضلة وفقاً لـ (سوزان رضوان)، فتوحدت الرؤى.


التواجد في الميدان لم يكن بغرض الإيمان برسالة الغير، إنما وفقاً لشيما: "اجتمع المصريون هناك ليس بهدف مساعدتك لايصال رسالتك بل لأن هذه الرسالة رسالتهم أيضاً".


وآثر فريق العمل- في الميدان - أن يكونوا "رصيفا"، لكي يعبر الشعب من خلالهم لبر أمان، آمنوا بأفكارهم، وساروا خلف أحلامهم حتى باتت اليوم حقيقة، الحوار معهم يجيب على السؤال، لماذا استطاع هؤلاء الشباب الاستمرار في إصدار مطبوعة لا تغطي تكاليف طباعتها أحياناً؟


وعاد ظهور "خروجات" لكن كأحد أبواب المطبوعة "الرصيف"، التي تبلورت رسالتها فباتت تنشد تمكين الإبداع في المواطن المصري، وتدعو للكرامة والحرية، باختصار "عيش النهاردة مصر اللي بتحلم بيها بكرة".
تقول شيما: "كانت (خروجات) رسالة، ومن تجربة ميدان التحرير تحولت إلى عدد من الرسائل، لم يعد المهم أين يقضي الشباب وقت فراغهم فحسب، إنما أصبحت الرسالة أكبر وأعمق، لقد تحولت لشبكة وصل ومهارات، كي تتواصل الحركات الشبابيه والمبادرات التي تحمل أهداف لخدمة البلد، إنها تدعو لتطبيق المجتمع المدني".

 

هدفنا من مهارات 

ولتحقيق ذلك ضمت "الرصيف" عدداً من الأبواب، مهارات، يجمع أصحاب المهارات المختلفة والذين على استعداد لتعليم مهاراتهم للغير، كالعزف على الغيتار، الرسم، تعليم القراءة والكتابة..الخ، توضح شيما: "كثير منا درس مجال بينما كان يتمنى دراسة مجال آخر، إننا من خلال مهارات نطبق التعليم البديل، والمردود من تطبيق ذلك كبير على الطرفين المعلم والمتعلم، فندعم الشخص صاحب المعرفة أو الموهبة بتعليم أشخاص آخرين فيشعر بقيمته في المجتمع، كما أننا من خلال مهارات نؤكد لمن يرغب في تعلم شيء تمنى تعلمه في يوم ما إن الوقت لم يفت بعد، بالإضافة إلى أن احتكاك المتعلم بشخص يحب عمله يجعله يبحث عن هذا الاحساس، فيحاكيه، لأن كلاً منا إن أحب عمله ينتج فيه".

مشيرة، إلى أن مهارات –الباب-  يشترط أن يكون المقابل المادي رمزي، موضحة: "لدى البعض استعداد أن يقدم هذه الدروس دون مقابل مادي، ونقوم كفريق الرصيف بتوفير المكان الملائم إن لم يكن لديه مكان مجهز، بينما يشترط البعض أن يحصل على مقابل مادي جراء هذه الدروس، ويهمنا أن يكون المقابل بسيط، ولا نشترط في الغالب وقت وزمان الدروس، لأنها تعتمد على وقت فراغه".

الثورة صنعت صفحة لجيلنا ولن نسمح بالتهميش مجدداً

ونسبة لكفاح، كان باب "كفحتاجية"، ويُعرِّف -الباب- بشباب مكافح لكنه بعيد عن الأضواء، لم يجد له فرصة ظهور ويقدم فن راق وجميل، توضح سوزان: "نحن كجيل جديد مُتهمين ومُهاجمين بسوء الذوق الفني، ويتكرر على أذهاننا أكذوبة الفن الجميل، ونعيش حالة فقر ثقافي، سواء على نطاق الفن المرئي أو المسموع، لأن تسليط الضوء في الغالب على أشخاص محددين، لكننا من خلال هذا الباب نسلط الضوء على الشباب الموجودين قبل الثورة، والذين كانت لديهم مواهب وأهداف سامية، لم يحظوا بفرصة ظهور قبل الثورة لكن ميدان التحرير سلط عليهم الضوء، ونعرض معلومات عن هؤلاء الفنانين أصحاب الرسالة في شتى المجالات، هؤلاء الأشخاص هم أصحاب الفن الذي يحمل هويتنا، إننا نؤكد من خلالهم أننا لن نهمش مرة أخرى ومن أي نظام آخر، لقد منحتنا الثورة كجيل صفحة بيضاء نحن من صنعها ومن خلال هذا الباب نسلط الضوء على رموز الشباب الذين يعبرون عن جيلنا ومفاهيمنا هم صوتنا ومزيكتنا وغنانا ومواهبنا على اختلاف مجالاتها".

كان التجمع في التحرير إيجابياً، وبمجرد إنتهاء الـ18 يوم، شعر شباب الرصيف، بأن ما استطاعوا التحلي به كمجتمع في الميدان يمكن استمراره، و من خلال باب "جمهورية التحرير" باتت الدعوة إلى  كل ما هو إيجابي ومستمر لليوم في جيل الثورة، تعزيزه بمشاهد، إنه وفقاً لشيما: "فلنستمر على الأخلاق التي عشناها في 18 يوم"،  يمتاز باب الجمهورية بمعاصرة الأحداث، والدعوة من خلالها إلى تصرفات المجتمع المدني، على سبيل المثال، الاعتصام والاضراب وأحداث بورسعيد الأخيرة، وماذا تطلب من الرئيس من الجديد ..

هذا السبب وراء استخدامنا العامية

تم الاعتماد  في الدعوة للخروج يوم 25 يناير 2011 على الانترنت، موقع الفيسبوك تحديداً، الأمر الذي ساهم في نجاحها، لكن شباب الرصيف، ثوار 25 يناير كان لهم رأي آخر فلم يواجهوا حيرة بين إصدارها إلكترونياً، أو ورقياً، فالهدف أن تُقرأ وأن تُطبق، أن تكون أسلوب حياة، والمعلومات متوفرة بغزارة على الإنترنت، لكننا- وفقاً لسوزان- "نريد بها أن تصل لمن لا يملك في منزله إنترنت، نحن شعب فقير، وكثيراً منا أطُلق عليه –حزب الكنبة مؤخراً-  هؤلاء لا يبحثوا عن معلومة فنحن نهدف باصدارها ورقياً أن تصل للجميع، للطالب الجامعي، ورجل المرور، الشباب الجالس على القهوة، وربة المنزل، والنادل، إن قرأها أحدهم ستصل لآخر يعرفه، وهكذا نضمن وصول رسالتها فتخلق الحراك، وقد قمنا أخيراً برفع النسخة الورقية على موقع إلكتروني لنضمن وصولها للمغتربين".

الحجم الصغير واستخدام اللهجة العامية في الكتابة، لم يقع الاختيار عليهما جزافاً، تقول شيما: "الهدف من حجم المطبوعة إمكانية حملها وتبادلها بين الأصدقاء، لو كانت مطبوعة ذات حجم كبير ربما لن تُقرأ كوننا كشعب عربي متهمين بعدم القراءة، إن اختيار الحجم الصغير ساهم في صناعة محتوى مُركز، إننا نقدم للجمهور خدمة، لذا لابد عندما تقدمي لشخص ما خدمة أن تساعديه وتسهلي عليه طريقة استخدامها والتعامل معها، باختصار كان هذا الهدف وكانت هي الفكرة، ومع إعتزازنا بعربيتنا الفصحى، لكن استخدامنا اللهجة المصرية العامية في الكتابة أيضا كان بهدف، نحن اليوم ونحن نتحاور لا نتحدث الفصحى، والشباب عندما يتحدث في تجمعاتهم لا يستخدمها، ومن يجلس على القهوة لا يفعل ذلك أيضاً، أردنا أن نكون مشاركين في هذه التجمات بالرصيف، وكأننا على طاولة واحدة، هم ونحن بالرصيف، الهدف ليس استعراض لغوي، إنما فكرة نشعر بها ونؤمن بأهمية تحقيقها وربما هم أيضاً مؤمنين بها، فلماذا نُشعر القارئ أننا نتحدث من مكان مرتفع عنه؟، لا بد أن يتم إلغاء منظور أن يكون المرسل في برجه العاجي والمستقبل على الأرض، لينزل الاثنان على الأرض، ويستقبلوا ويرسلوا لبعض بنفس الأسلوب والطريقة".

هؤلاء جواهر مشوارنا ولأجلهم كنا الرصيف 

الصدى أو رد الفعل بتوزيع 20000 نسخة  شهرياً من الرصيف، أكدوا أثناء الحوار بأنه المكسب الحقيقي، لمسوه أثناء توزيعهم المطبوعة في الشارع، ومن الاتصالات التي تردهم بشكل يومي، ويطلب أصحابها المساهمة والمشاركة بأي شيء حتى وإن لم يعرف- المتصل- ماهو الشيء،  ومن ردود الفعل هذه تقول سوزان : "اتصلت بنا سيدة تجاوزت الأربعين، قالت أنها لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ومع ذلك قرأ لها أحد أقاربها الرصيف، ووجدت باب مهارات وأنه بإمكاننا مساعدتها لتتعلم  أي مهارة، وترغب في تعلم القراءة والكتابة، وكتبنا القصة في العدد التالي، وصلنا عدد كبير من المتبرعين بتعليم السيدة، مختصين وغير مختصين، إنها أحد الجواهر التي نقابلها في الطريق، وهذا هو المردود المعنوي الذي يدفعنا دائماً للاستمرار".
وتضيف شيما: " تلقيت مكالمة من شاب، يقول: ( أمي سيدة غلبانة تقوم بجمع المجلات وعندما كنت أشاهد ما جمعته، وجدت الرصيف، قرأتها طوال الليل وأنتظرت الصباح لأتصل بكم من أخر دقيقة في الهاتف المحمول، كي أقول لكم أنا مبسوط منها قوي) وقُطع الخط، نحن نعمل من أجل هؤلاء، إن الرصيف مشروع صحافة أخلاقية توزع مجاناً، وقابلة للبيع من حيث استقطابها للمعلنين، لا تهدف للصحافة بمفهومها الحرفي في البحث عن خبطات صحافية، والتركيز على النجوم، إنما هدف أخلاقي، ونحن موضوعيين في الطرح بحيث لا نتعرض لمن يخالفنا في الرأي، لكننا غير حياديين في الوقت نفسه، فلدينا توجه ونسعى لأن يكون سمة من سمات المجتمع المصري".

ولتكن رصيف،- لا شروط معينة، أو محددة، إنما سؤال ومقياس،  ماهية الإضافة التي من الممكن أن تضيفها من خلال فكرتك؟، أما المقياس فهو المعيار الأخلاقي فحسب، بمعنى هل الغرض خدمة نفسك أم المجتمع أم كلاهما، توضح سوزان: "كل واحد منا رصيف كي نعبر، الرصيف هو حجر الأساس، وأول وحدة بنائية في الشارع، لا مشكلة إن كنا اللبنة الأولى ويقف علينا أو بيننا أحد، إننا مؤمنين بأن  الرصيف أسلوب حياة ومنهج تفكير وليس مطبوعة أو مناسبة  أو حدث إنه فعلاً أشخاص، وطالما عندك هذا المنهج الفكري ستكون رصيف، إن كنت ترغب في المشاركة وتكون (طوبة) أهلاً،  وإن كنت ترغب في أن تقف وتشاهد أيضاً أهلاً بك".

وعن طموحهم للرصيف، تقول شيما: "نقوم بالتوزيع في القاهرة فقط، وبصدد التوزيع في عدد من المحافظات بدءاً من سوهاج والإسكندرية والمنيا وطنطا والمنصورة وحلوان، ورتبنا بالتعاون مع أشخاص في هذه المناطق للحصول على معلومات تتعلق بها، فحتى تستطيع المطبوعة أن تؤدي أهدافها لابد من ذلك، ونتطلع أن تصدر في جميع محافظات مصر".

كل نجاح يضع في اعتبارهم القائمين عليه المنافسة، لكن شباب الرصيف، لايخشوا المنافسة بل ويتطلعوا لها توضح شيما: "نتمنى أن يظهر من ينافس فكرتنا بنفس الأهداف، الفكرة هدف، لو وُجد من يؤمن به ويقوم بدعمه من خلال مشروعه سنتكامل، وندفع ببعض لتحقيقها، كأننا نتحدث بصوت أعلى عوضاً عن صوت وحيد، ولكل فكرة إن وجد لها منافسين أتمنى أن لا يضرب أصحابها بعضهم البعض، فلكل فكرة رسالتها وطريقتها التي يراهن عليها من يقف ورائها، نستمع لآيات القرآن الكريم من عدة مقرئين ومع ذلك كل مقرئ يجود الآية بطريقته فتؤثر علي من يسمعها بشكل مختلف".

التكامل الذي دعوا له، تم تطبيقه فعلاً من خلال مشروع آخر، شاركوا فيه شباب أطلقوا على أنفسهم (المساحة) فخرجت مساحة المكان بهدف جمع كل باحث عن مكان لتنفيذ مشروعه أو تطبيق إحدى الدورات التعليمية لمهارات، إضافة إلى "ومضة"، الفعالية الشهرية والتي تُنَفذ بإستضافة فنانين شباب، باختصار(كفحتاجية الرصيف).

وفي ختام الحوار، كانت النصيحة: "أبحث عن من يشبهوك، يحملون نفس أفكارك، إبحث عن الناس التي تعيينك على تنفيذ فكرتك وابتعد عن المحبطين"، هكذا قالت سوزان، بينما كانت نصيحة شيما: "حينما بدأنا الفكرة لم يقتنع بها أحد، هوجمنا، لذا أقول للجميع:  أخلق يقين في نفسك، وثق بأن الله عز وجل يضع يده فوق يدك".

وعلى الرغم من تواجد عدد من المراكز الثقافية  في مصر إلا أن حلمهم الكبير إنشاء مركز  ثقافي فني وإبداعي وخلاق من يدخله بمشاعر سلبية يخرج منه إنسان مختلف، أي  يخرج منه أفضل.

يذكر أن شباب الرصيف: أحمد رجائي خريج فنون تطبيقيه قسم إعلان ولديه شركة دعاية وإعلان، - شيما يوسف خريجة إعلام، قسم صحافة، ومدربة علاج نفسي بالرسم -  الطبيبة سوزان رضوان- أحمد نظمي موظف في شركة بترول-   المحامي فتحي السيسي- والمحامي محمد عيسي، والطالبة بقسم التجارة نورا المنشاوي على اختلاف تخصاصاتهم أكدوا جميعاً أثناء التعريف بأنفسهم "الرصيف حياتنا.

للإطلاع على العدد الأخيرللرصيف 


الكاتب الألماني "فيلهيلم روبريخت": نعيش حرباً عالمية ثالثة ذات طابع اقتصادي

$
0
0

وصفت الصحافة الألمانية عمله بأنه الأكثر أصالة وتفرداً وغرابة أيضا، عمل كرئيس تحرير لعدة صحف وأسس دار نشر حملت اسمه، فأصبح واحداً من أكثر الناشرين شعبية في ألمانيا، الكاتب والناشر والإعلامي الألماني الشهير  فيلهيلم روبريخت فيرلينغ WilhelmRuprecht Frieling ،في لقاء عربيات وقف على تجربته في عالم النشر، وتطرق لعدد من القضايا المعاصرة والمثيرة للجدل.

من هوالسيد فيلهيلم روبريخت، وما هي مهمته في هذه الحياة؟
اسمي الكامل هو فيلهيلم روبريخت فريلينغ الشهير بلقب "الأمير روبي Prinz Rupi" ناشط لمدة تزيد عن أربعين عاماً في ميدان الثقافة ككاتب وناشر من برلين. لدي العديد من الأعمال المنشورة في المجلات الألمانية والأمريكية، كما نشرت 24 كتاباً بالإضافة إلى أكثر من 12 كتاباً إلكترونياً، أشرف على وسائل إعلام أدبية وفنية  وسمعية بصرية، ناهيك عن مدونات موسيقية كما أوجه وأقوم بدور استشاري على البوابة الرقمية في المجال الثقافي على الرابط التالي:www.literaturzeitschrift.de . 

عملك في الحقل الثقافي زخم ومثمر للغاية، استمر لأكثر من أربعين عاماً من الجهد المتواصل، كيف تقيم الآن هذه التجربة المتفردة؟
مساري الفني كان موزعاً على عدد من المجالات الثقافية المختلفة منها الفنون البصرية والأدائية والموسيقى والأدب، ولا أعد نفسي نشطاً بل أنا كسول وأعاني من فقدان قواي الإبداعية لكني متكيف مع ذلك.

هل تعتقد أن الكتاب التقليدي لم يعد أفضل وسيلة لنقل المعرفة للآخرين، لذلك اخترت الكتاب الإلكتروني والأشرطة السمعية البصرية وغيرها؟
 الكتاب وسيلة رائعة لجمع المعرفة ثم تخزينها وتوزيعها ونشرها، وباعتقادي لا توجد أهمية كبرى للشكل المادي، فقبل اختراع الطباعة من قبل غوتنبرغ كانت الكتب عبارة عن مخطوطات مستنسخة يدوياً و بدائية، ثم جاء التنضيد والطباعة على الورق، وبقدوم القرن الواحد والعشرين جاءت معه الثورة الرقمية والكتب الإلكترونية.

الفضول الداخلي  أساس المعرفة 

أنت كاتب موسوعي شامل، كيف أستطعت تحصيل كل هذه المعرفة الواسعة؟ 
لأنني "في جامعة الحياة" طالب ناجح، حيث عملت في عدد من الوظائف، وغادرت منزل العائلة وعمري لا يتعدى الرابعة عشرة وسافرت لمناطق مختلفة من العالم، فضلاً عن شيء أساسي لاكتساب المعرفة وهو وجود قدر كبير من الفضول بداخلي.

هل تؤمن بوجود العبقرية؟
في الواقع يوجد ثمة أناس يملكون فعلاً قدرات خارقة، وفي ميدان الفن تتجلى العبقرية في العمل الجماعي المشترك، والعباقرة الحقيقيون هم الأشخاص المعاصرون الذين يبذلون جهداً دائما لإيجاد حلول ناجحة لمشاكل واحتياجات الحياة اليومية العادية، ويقدمون  من خلال ذلك منجزات فنية وثقافية فذة ومستديمة.

هل بالإمكان صناعة شاعر كبير دون وجود موهبة، أي  من خلال التكوين فقط؟
الإنسان لا يولد عبقرياً، إذ كل شخص يولد وهو لا يستطيع المشي أو الكلام أو الغناء أو الكتابة، إن أسطورة العبقرية تعد استناداً إلى الطرح الموضوعي مغالطة، فهي أقرب إلى عرض وهمي على خشبة المسرح، حيث يقدم فيه حدثاً اجتماعياً تستثار فيه مشاعر الجمهور بقوة، وفيما يتعلق بالكتاب فإن ذلك يشبه الحال في الفن، حيث معرفة اللغة جيدا تفي بالمهمة، فضلاً عن معرفة فن الموسيقى والفنون التشكيلية، والفنون الحرفية وحتى الطب و التكنولوجيا، إن في كل شخصية يتطور مقدار من النجومية ذي صلة بالعبقرية الطبيعية.

ألمانيا وتلويث الاقتصاد العالمي وإبادة الشعوب 

باعتبارك مواطناً ألمانياً، ما هو في رأيك سر الانضباط الألماني؟ وهل حقاًيخجل الألمان من تاريخهم رغم كونهم في الوقت الحالي يعدون قوة اقتصادية عظيمة؟
ألمانيا خلال المائة عام الأخيرة خاضت حربين عالميتين ناهيك عن محاولات متكررة لإبادة شعوب بأكملها، في الوقت الراهن هناك حرب عالمية ثالثة متوقعة وهي حرب ذات طابع اقتصادي بالدرجة الأولى، الهدف منها تلويث الاقتصاد العالمي برمته، وضمن هذا التاريخ أنا لست فخورا بكوني ألمانيا، كما أنني أخجل من انتشار ظاهرة معاداة الأجانب في بلدي.

ما هو الكتاب الذي أثر على شخصيتك؟
هذا  السؤال من الصعب الإجابة عليه، لقد أعجبت كثيراً بالأعمال الفلسفية لكارل ماركس الذي قرأته في فترة الفتوة، وبوجه خاص أتصور بأن المادية الجدلية والتاريخية تبدو لي قاعدة منهجية صلبة.

مارأيك في الأدب العربي المعاصر؟
الأدب العربي كان له تأثير دائم في الأدب الألماني، حتى العظيم غوته في ديوانه الشهير عن الشرق والغرب عكس مثل هذا التأثير الكبير.

وكيف ترى الثورات العربية والتي أطلق عليها الربيع العربي؟
العالم العربي حالياً يعيش ثورة اجتماعية هائلة، أتصور أنه في قلب تغيير الهياكل الإقطاعية التقليدية وعلاقات القوة والبحث في ذات الوقت عن ميكانيزمات حديثة وبديلة للمجتمع.

"دمقرطة" المعرفة قضيتي والإنترنت قادر على دعمها

ما هي المشاريع الثقافية الكبرى التي تتطلع إلى تجسيدها في المستقبل؟
أترافع من أجل "دمقرطة" المعرفة، وفي اعتقادي أن الإنترنت قادرة على تحقيق هذا المسعى، ولهذا السبب أنا أعمل على إعداد قاعدة بيانات موسعة والحفاظ على محاضرات مجانية على رابط ويكيبيديا الخاص WikipediaBarcamps، فضلاً عن الأحداث الرئيسية الأخرى ذات الأهمية البالغة.

 

هل صحيح أن هناك شعباً ذكياً بالفطرة وآخر بالعكس؟
الذكاء هو ثمرة الكد في اكتساب المعرفة، ناهيك عن المعرفة التي يمتلكها الإنسان مسبقاً، فالتربية الجيدة والتدريب المهني المحترف الذي ينبغي أن يوجه إلى جميع النشء يعد شرطاً أساسياً من أجل تعزيز ذكاء النشء وضمان نموه السليم.

اعفاءات جديدة من قانون الملكية الفكرية في بريطانيا لصالح البرامج الساخرة على الإنترنت

$
0
0

أعلنت الحكومة البريطانية عن إعفاء أفلام "اليوتيوب" والشبكات الإجتماعية الكوميدية والساخرة من قوانين الملكية الفكرية التي كانت تحد من قدرة أصحابها على استخدام مقاطع من الأفلام والبرامج التلفزيونية، وذلك ضمن حزمة من التحديثات لقوانين نشر الأعمال الموسيقية والأفلام المرئية والصور من شأنه إعفاء برامج المحاكاة الساخرة والمعارضة الأدبية من التعرض للإيقاف بسبب مخالفة قوانين الملكية الفكرية.

من الحصرية إلى "التداول العادل" للملكية الفكرية
هذه الخطوة من المرجح أن تتبعها خطوات أخرى في اتجاه دعم صناعة المحتوى الرقمي وقطاع الإنتاج الذي قد يكون مقره المنزل وتسهيل إعادة استخدام المحتوى في إنتاج البرامج الساخرة، إلى جانب خطوة متوقعة قد تمنح الحق للمستهلك لتحويل الكتب والموسيقى التي يقوم بشراءها إلى نسخ متوافقة مع كافة الأجهزة الشخصية التي يملكها دون التقيد بالصيغة التي يقتنيها من الشركات المنتجة.

كما تتضمن التحديثات السماح للمعلمين باستخدام المواد المحمية بحقوق النشر في الفصول الدراسية، وحصول الباحثين في المجالات الطبية على المزيد من حقوق الوصول إلى البيانات المطلوبة لتطوير مشاريعهم البحثية.

ويعد هذا التوجه من الحكومة البريطانية استجابة للمتغيرات التي استحدثتها التقنيات الرقمية وفقاً للتقرير الذي يناقش حقوق النشر والذي قام بإعدادة البروفيسور "إيان هارجريفز" بجامعة كارديف البريطانية، حيث طالب بمراجعة قوانين الملكية الفكرية للتأكد من أنها لاتحد من الإبتكار والتنمية للإقتصاد البريطاني.

ويقول البروفيسور إيان: "هذا التقرير صدر داعماً لرؤية رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عندما تسائل في عام 2010م محفزاً الباحثين بقوله هل من الممكن أن تكون القوانين التي وضعت منذ أكثر من ثلاث قرون لخلق الحوافر الاقتصادية للإبتكار من خلال حماية حقوق المبدعين هي ذاتها التي تعرقل الإبتكار والنمو الاقتصادي اليوم؟".

ويضيف: "الإجابة المختصرة نعم، فلقد وجدنا أن قوانين الملكية الفكرية في المملكة المتحدة بحاجة إلى إعادة نظر خصوصاً فيما يتعلق بحقوق النشر، لأن هذه القوانين وضعت آنذاك لحصر الملكية على المؤلفين والناشرين، وهو ما يمنع الباحثين اليوم في بعض الأحيان من السعي وراء تطويرها وتوظيفها، فحقوق النسخ أصبح من الضروري وضعها في إطار قانوني جديد يسمح للمبدعين باستثمار التقنيات الحديثة لتزدهر قطاعات الأعمال المختلفة، هذا لا يعني بالضرورة أن نضع قطاع الصناعة الإبداعية في خطر فهو كذلك بحاجة إلى التكيف والانفتاح ليلبي الحاجة إلى حرية أكبر في تداول المحتوى الرقمي".

تعديل القوانين فرصة لتنمية المنشآت الصغيرة وخلق الفرص الوظيفية ومكافحة الإحتكار
التقرير يفيد بأنه خلال العقد الأخير أثبتت الأعمال الإبداعية والمبتكرة أنها الأكثر قدرة على خلق فرص عمل من خلال المنشآت الصغيرة والشباب حيث تنمو هذه المنشآت أسرع مرتين في التوظيف والمبيعات قياساً بالمنشآت التي تفشل في الابتكار كما أن الابتكار يفتح أسواق جديدة لخدمات ومنتجات لم يسبق تداولها من قبل، ومن هنا اعتبر التقرير أن قطاعات الابتكار هي مفتاح النمو الاقتصادي لمستقبل المملكة المتحدة، مطالباً تفادي أن تصبح قوانين الملكية الفكرية سببا في الإحتكار وعقبة على طريق الإبتكار فعلى سبيل المثال عندما تحصل اليوم شركة على الحقوق الحصرية لابتكار تقني أو محتوى بوسع الآخرين الاستهلاك فقط دون قدرة على التطوير مالم يحصلوا على تراخيص تتطلب إجراءات ليست في متناول المشاريع الناشئة.

ومن المقترحات التي يقدمها التقرير أن تقوم الشركات التي تحمي ابتكاراتها بهذه القوانين من منطلق المسؤولية الاجتماعية بوضع خطة تتيح وصول المنشآت الصغيرة لدراسة المنتجات والاستفادة منها أو تطوير ربطها بمنتجات وتقنيات أخرى.

الدكتور عبدالله الفيفي لـ "عربيات": المثقف "البرج-عاجي"ولى زمانه، والمرأة مدرسة الإبداع الأولى

$
0
0

حينما تحاوره، تجذبك قناعاته وتوجهاته الجادة في الحياة والشعر والثقافة، وتحملك رؤيته وبصيرته إلى حيث النقد لإشكاليات الثقافة والمثقفين في عالمنا العربي والإسلامي؛ فهو " الشاعر" حين ترفع رايات الشعر والشعراء، وهو الناقد حين تطل قضايا النقد برؤوسها المشرعة في ثنايا الكم الهائل من منجزات الآخر الإبداعية هنا وهناك، وهو السياسي والبرلماني حين تحتل السياسة مكانها في إطار الشورى والاستشارة الصادقة نحو بناء المجتمع الحاضن والحكومات الناهضة، إنه باختصار الأستاذ الدكتور "عبدالله بن أحمد بن علي الفيفي" أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك سعود بالرياض، وعضو مجلس الشورى السعودي لثلاث دورات متتالية، والذي خص "عربيات" بهذا الحوار الذي عبر خلاله عن رؤيته للعديد من القضايا الأدبية والثقافية والسياسية، منتقداً تغييب الجيل الجديد من الشعراء، ومعتبراً أن الرواية العربية لم تتقدم، ومؤكداً أن العالم العربي يعيش أزمة "مصطلحات".


بداية ما القضية التي تشغلك الآن كمثقف شاعر؟
ناتج الثورات العربيَّة على المستوى الثقافي. هل سنصبح أُمَّةً يَحكمها العقل، والعدل، والقانون، والحريَّة، والمساواة؟ أم هي محض انقلابات كسالفاتها؟.  

بين العمل السياسي والإبداع الشعري، كيف تتأتى خدمة الثقافة والمثقفين في المملكة بالنسبة لك؟
المثقَّفُ "البرج-عاجي" وَلَّى أوانه. المثقَّفُ الحيُّ هو الذي يعيش قضايا شعبه، ووطنه، وأمَّته، وإنسانيَّته. ما لم أُقدِّمه في الجامعة، أحاول تقديمه في مجلس الشورى. وما لم يتأتَّ هنا ولا هناك، فالكلمة مِشعلُه. والطموح أكبر دائمًا.


في السياسة، علينا تغليب عدالة المصالح على أنانيَّتها

كيف تقيّم الوجه السياسي لمعطيات الحركة الثقافية في المملكة خاصة وأن هناك إلماحات لاستئثار النخبة المثقفة؟
ما عادت النخبة نخبةً، وما عاد الميدان ميدانها. الآن بات بإمكان المثقَّف -عبر التقنية الحديثة- أن يصل. على الرُّغم من الفوضى القانونيَّة العارمة التي تكتنف تقنيات التواصل العربيَّة.  ما يُؤرِّق المثقف هو بقاء الاحتكار "الإعلا-في"، إذا جاز النحت، أو "الإعلامي- الثقافي"، التقليدي.  لا شكَّ أنه ما زال الفساد الثقافي في الوطن العربي كافَّة، ضاربَ الأَطناب.  وما زالت الجماعات التي تُقصي، وتستأثر، وتسيطر، تفعل ذلك. وهي تُقدِّم نفسها، ومحسوبيها، أحيانًا، باسم الوطن كلِّه. وهذه مسؤوليَّة الأجهزة المعنيَّة في أن تجعل الموضوعيَّةَ والجودةَ معيارَي القُرب والبُعد. وهذا يتطلَّب دائمًا أن تُعطَى القوس باريها، وإلَّا ظلَّت الثقافة دُولةً بين الأدعياء.

مارست عضوية عملية في لجنة السلام وحل الصراعات، فما الذي وجدته غائباً بين شعوب العالم ويؤدي إلى استمرار حالة الكر والفر على المستويين السياسي والعسكري؟
تغليب عدالة المصالح على أنانيَّة المصالح، ذلك هو الغائب المنتظر. وهو منتظر منذ الأزل، وربما إلى الأبد، غير أن تنظيم العلاقات الدوليَّة في العصر الحديث، وقيام هيئة للأمم، والمباهاة بوجود قانونٍ دوليّ، كان يُفترض أن يُنظِّم العلاقات، ويُلجم التجاوزات. لكن ما العمل، إذا كانت هيئة الأُمم نفسها وما نسميه القانون الدولي، هما بدورهما تحت وطأة "أنانيَّة المصالح"، ويُداران بأيادٍ تُطَفِّف في موازينها؟.

 

الجيل الجديد من الشعراء منسيّ وهو جدير بالاحتفاء

وأنت متخصص في النقد الأدبي الحديث، إلى أي مدى تواكب حركة النقد العربية الإبداع بكل أجناسه وفروعه؟
أُفرِّقُ بين النقد التسويقي، والنقد الأكاديمي. فالنوع الأوَّل يسعى مسعاه، لكنه نقدٌ إعلاميٌّ، في الغالب، وتحكمه العلاقات، كما تحكمه التيَّارات المؤدلجة، وليس نزيهًا بإطلاق. أمَّا النوع الآخر، فبطيء؛ لأنه يتبع معايير علميَّة، ويصطفي نماذجه الدالَّه. النقد عِلْم، أو هكذا ينبغي، والأدب كالطبيعة في عطائها وتجدُّدها.  ومهما حاول العِلْم المواكبة فلن يجاري الطبيعة.  أمّا الأديب الذي يكتب لكي يُكتب عنه، فسيطول به الانتظار، وربما أدَّى به إلى الانتحار، كَمَدًا لأن من يَكتب ليُكتب عنه ليس بأديب. ومع هذا، فبشِّره أن حظَّه (ربما) سيكون أوفر إعلاميًّا من الأديب الجادّ.

ما تقييمكم للتجربة الشعريّة الحديثة في المملكة العربيّة السعوديّة؟
التجربة الشِّعريَّة الحديثة في المملكة لا تختلف عن التجربة العربيَّة بصفة عامَّة. مرَّت بمراحل، وبتحوُّلات، فيها المدّ والجزر. الإشكال كما أراه الآن في أننا حين نتحدَّث عن التجربة الشِّعريَّة الحديثة في المملكة نلتفت ثلاثين سنة إلى الوراء أو أكثر.  الجيل الشاب ما زال مغيَّـبًا، والاهتمام ما زال منصبًّا على الشيوخ، أي على التجربة الشِّعريَّة الحديثة (القديمة) في المملكة، إنْ بمعيار الزمن أو بمعيار الشِّعريَّة. الأسماء هي الأسماء، والشِّعر هو الشِّعر؛ لأن الرؤية، وربما العلاقة، ما انفكَّت تدور في فلكٍ مَرَّ.  أزعم أن جيلًا أحدثَ من الشعراء والشواعر، أجدر بالاحتفاء، لكنه منسيّ وهو جدير، لا لأنه أحدث زمنًا، لكن لأن بعضه أنضج شِعريَّة:  

فَما الحَداثَـةُ مِن شِعرٍ بِمانِعَـةٍ  **  قَد يُوجَدُ الشِّعرُ في الشُبَّانِ وَالشِّيبِ!

قد ينكأ هذا القول ما رُمَّ على فساد في نفوس شبَّان بالأمس صاروا شِيبًا اليوم!  وصراع الأجيال سُنَّة عربيَّة مألوفة.  لكن أخشى ما أخشاه أن هذا الجيل الشاب، بدوره، يظلّ يجترّ، وهمًا أو إحباطًا، إنجازات سابقيه، بوصفها نماذج عُليا، لا يُعلَى عليها، بسبب تكريسها في الإعلام والذاكرة الثقافيَّة، بحقٍّ أو بباطل.

 

الحداثة الشعرية الحالية غير منبهرة ولا منقطعة

ماذا عن ملامح الحداثة في النص الشعري لدى شعراء المملكة؟
ملامح الحداثة في النصّ الشِّعري لدى شعراء المملكة قبل القرن الحالي، أي قبل عِقد من السنين، وخلال مشارف هذا القرن، حاولتُ رصدها واستقراءها في كتابي "حداثة النَّص ّالشِّعري ّفي المملكة العربيَّة السعوديَّة: (قراءة نقديَّة في تحوُّلات المشهد الإبداعيّ)، 2005. وهي حداثةٌ تمثِّل طورًا شِعريًّا، لم يَخْلُ من عثرات، بمقدار ما حمل من إضاءات وإنجازات. الحداثة الشِّعريَّة الحاليَّة هي وليدة مرحلةٍ مختلفة. هي وليدة إطلالةٍ أوسع وعيًا على الآخر، غير منبهرةٍ، ولا منقطعة. لا تحمل عُقَد التراث والحداثة، ولا النحن والآخر، ولا الصراع الفكري الأيديولوجي السالف، الذي كان يقسم الثقافة في القرن الماضي إلى "فسطاطين"!  وقد وقفتُ على بعض ملامح شعراء اليوم الآخذة في التشكُّل من خلال بحوث أخرى، مثلًا: حول ما أسمِّيه بـ"النثريلة"، وهي توليفة بين شِعر التفعيلة وقصيدة النثر. هذا في المستوى الإيقاعي. وهناك كذلك في مستوى البناء العامّ ظواهر من التوالج الحميم بين السردي والشِّعري، قاربتها بين القِصَّة القصيرة جدًّا وقصيدة النثر، وبين الرواية والقصيدة الملحميَّة. ما يُبهج في كلّ ذلك أن تجد شعراء الآن يَجمعون: التمكُّن النِّسبي من لغتهم العربيَّة، وشِعريَّتهم الوثَّابة.  إنها مرحلة "ما بعد الحداثة"، وقد "ثقفها" هؤلاء، بعيدًا عن التفلسف والمصطلحات.  

ما الذي تراه مهدداً  الشعر في عالمنا العربي الآن؟
التقليد. والتقليد صُوِّر نمطيًّا على أنه (التقليد للتراث). والحقُّ أن حداثتنا العربيَّة في أغلبها، محض (تقليدٍ للآخر). لذلك لم تحقِّق شيئًا، ولن، حتى تغيِّر ما بنفسها.  وإذا كان الضرب الأوَّل من التقليد الشِّعري "تقليدًا أَبويًّا"، فإن تقليد الحداثة العربيَّة "تقليدُ مَوالٍ" محدثين.  لأجل هذا تجد التقليد الأخير أشدَّ بلادة، وأشدَّ تعصُّبًا؛ لأنه ليس بالتقليد الفطري، بل هو ينبثق عن ولاءٍ أيديولوجي أعمى، بأبعاد الأيديولوجيا، الفكريَّة والسياسيَّة. ولك أن تُجرِّب مثلًا إبداء الرأي النقدي حول تجربة أحدهم، أو تجربة أحد تماثيله، لتجده ينقم عليك ذلك بكلّ وسيلةٍ ممكنة؛ لأن القضيَّة لديه ليست أدبًا، أو رأيًا، أو نقدًا، بل هي طعنٌ في انتماء أعمق جذورًا، يوشِك أن يصبح ديانةً، تُقفل العقل، وتستلّ للدفاع عن حياضها كلَّ السيوف. إنَّ أبشع مَن يفتك، لا بالشِّعر وحده، بل بالثقافة والتحضُّر، أمثال هؤلاء.  والشِّعر في عالمنا العربي الآن بلا هويَّة، بسبب هذه الشراذم.  فهم يسعون إلى مسخ الشِّعريَّة العربيَّة، ولا ملامح لوجوههم في العالم. انسلخ غربانهم منذ وقتٍ مبكِّر من الشِّعريَّة العربيَّة، فلا هم طوَّروها، ولا هم حدَّثوها، ولا قِبَل لهم بالبدائل. وفي الوقتِ نفسه هم يُحاربون الشِّعر العربي الأصيل، الحامل للغة والثقافة والهويَّة والانتماء، متخنقدين بالإعلام، وبمنابر السيطرة على الفضاء الثقافي، التي يتيحها لهم الفساد الإداري الثقافي العامّ.

 

الانفتاح ليس مرادفاً للإنسلاخ، ويجب أن يكون بندية

في رأيك هل حققت المملكة العربية السعودية القدر المطلوب من الانفتاح الثقافي على الآخر؟ وماذا عن دور الوسط الثقافي في هذا الإطار؟
أحسب أن مصطلح "الانفتاح" تجاوزته المرحلة. فالآن العالم كلُّه أصبح شاشة حاسوب واحدة.  تبقى المسألة حول ما نعنيه بـ"الانفتاح"؟ هل نعني الإفادة من تجارب العالم، للإضافة، والبناء؟ أم نعني ذلك المفهوم الساذج لـ"الانفتاح"؟  الذي هو أشبه بانفتاح "أَمَة" على سيِّدها، لا انفتاح "أُمَّة" على العالم من حولها. أيْ بندِّيَّة، وبرسوخ قدم، ووفق مشروع حضاريّ، لا وفق "أجندات" سياسيَّة، لرضى هذا الطرف أو ذاك.

هل يعاني العالم العربي والإسلامي من أزمة مصطلحات بخصوص العلاقة مع الآخر؟
العالم العربي والإسلامي يعاني من أزمة وجود أساسًا!  أمَّا أُولى أزماته، فهي أنه لا يعلم ما هو؟ وأين هو؟ وماذا يريد؟ وماذا يُراد به؟  إنه التِّيه المطلق. ومن هنا تصبح المصطلحات وأزمتها عَرَضًا من مرض أشمل وأعمق. وحينما يتعلَّق الأمر بالعلاقة بالآخَر، فلنأخذ مصطلحَي "انفتاح" و"انغلاق"، الواردين في بعض الأسئلة. إنهما يوظَّفان لدينا غالبًا للقمع، أو للتحلُّل من القِيَم والمبادئ والشخصيَّة الإنسانيَّة. في حين نجد أُمَّة كالأُمَّة الفرنسيَّة تضبط مصطلحاتها واستعمالاتها، كما تضبط حركة المرور في شوارعها، فلا تخلط بين مفهومَي "الانفتاح" و"الانسلاخ". ولذلك تراها شديدة المحافظة على الهويَّة الفرنسيَّة، والثقافة الفرنسيَّة، واللغة الفرنسيَّة.  إلى درجة قد يصوِّرها خصومها تطرُّفًا، لأن ذلك ضدّ مصالحهم الممتدَّة في العالم.  فهل فرنسا منغلقة؟!  أمَّا ثقافتنا، فما زالت "ثقافة تفحيط"، للأسف، في الشوارع والرؤوس.

 

المرأة مدرسة الإبداع الأولى، ولكن..

ما الذي أغفله الخطاب الأدبي عربياً بالنسبة للمرأة ككائن مبدع؟
المرأة في العالم أجمع مدرسة الإبداع الأولى.  وإبداعها لا يتعلَّق بالأدب وحده. إنها مبدعة حياة، بكلِّ ما تعنيه الكلمة. الخطاب الأدبي والفنِّي، العربي وغير العربي –للأسف- لا يحترم المرأة ولا يُحبّها. وإنْ اتَّخذ مدخله إلى قلب المرأة من هذا الباب، متشدِّقًا بحقوق المرأة. إنه يُتاجر بقضاياها، لمتعته الذكوريَّة. والمرأة، في أكثر الحالات، تستجيب لمكره. فما أغفله الخطاب الأدبي العربي هو: المرأة نفسها، بوصفها إنسان، لا متعة كاتبٍ وقارئٍ، وسِلعة لرفع رصيد النشر والتسويق.

 

الحوار حرية واختيار

لماذا اعتبرت أن الثقافة العربيّة تقوم على منظومة قِيَم غير حواريّة؟
هي كذلك. وإذا كان كلامي المشار إليه عن العصر العربي قبل الإسلام، فما زال الحال على ما هو عليه وربما أسوأ. حتى الحِوار -إنْ كان من حِوار-، فهو يأتي قسريًّا ومفروضًا فرضًا من فوق. مع أن الأصل في الحِوار الحريَّة والاختيار. انظر إلى النظام السوري، على سبيل المثال الصارخ، الذي يقتل شعبه، ثم يقول لهم اليوم: تعالوا إلى طاولة الحِوار أو الإصلاح!  أي حِوار مع جلادٍ، سفَّاح؟!  هذا نموذج لم يشهد له التاريخ نظيرًا من ثقافة الوَثَن البشري!  فعن أي حِوارٍ نتحدث؟!. 

هل ترى القارئ العربي مؤهلاً لتلقي العديد من معطيات حركة الإبداع العربي؟ وماذا عن القارئ السعودي؟
القارئ العربي يتلقَّى العديد من معطيات حركة الإبداع من العالم كلّه، ومن باب أَولى وأجدَى الإبداع العربي. ولا يختلف القارئ السعودي عن شقيقه القارئ في الأقطار العربيَّة الأخرى. فقط هاتِ له العمل الجيِّد، والتوزيع المناسب.

هل اختلفت علاقة المملكة العربية السعودية بالأدب والشعر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عن ذي قبل؟
للأدب قوانينه الخاصَّة؛ ولا يواكب بالضرورة التطوُّرات السياسيَّة، أو القفزات الاقتصاديَّة، قوَّةً وضَعفًا، وإنْ تأثَّر بتلك التطوُّرات والقفزات. لا شكّ أن عهد الملك عبدالله يشهد ازدياد المنابر المعرفيَّة والثقافيَّة، وسعة الأفق في الحريَّة والنشر، مع ما صاحب ذلك من ثورةٍ معلوماتيَّةٍ وتواصليَّة غير مسبوقة على مستوى العالم.  وبالتأكيد أن لذلك كلّه تأثيره الأفقي في حراك الأدب، وهذا ملموس. وبالتأكيد أن له تأثيره النوعي على بنية الأدب. غير أن هذا لا يقاس إلَّا بالدرس والتقصِّي. وربما بعضه ما بَرِحَ طورَ التشكُّل أو المخاض.  

 

الترجمة يجب أن تكون "منا إليهم" و"منهم إلينا"، والعامية تجرنا إلى عكس اتجاه الوحدة

ماذا عن تقييمك لحركة الترجمة في المملكة في ظل نداءات متكررة بانفتاح سعودي أكبر على الأدب الغربي؟
العالم العربي منفتح استهلاكيًّا منذ أكثر من قرن. فما النتيجة؟  علينا، كما أشرتُ في إجابةٍ سابقة، أن نُحدِّد مفهومنا للانفتاح، وبُغيتنا منه. أمَّا موضوع الترجمة، فجِدُّ مفيد وحيويّ. والدول الحيَّة تُنفق الأموال الطائلة على الترجمة. ولعلّ جائزة الملك عبدالله العالميَّة للترجمة تأتي تتويجًا لاستشعار هذه الأهميَّة الحضاريَّة للترجمة. إن حاجز اللغات لم يعد حاجزًا اليوم بين الشعوب والثقافات. على أنه ينبغي أن لا تظلّ الترجمة في اتِّجاهٍ واحد: (منهم إلينا)، بل (منَّا إليهم) أيضًا.

من وجهة نظرك ما مدى تأثير "اللهجات" على لغتنا العربية؟ وما السبيل لمواجهة مثل هذا التأثير؟
أعتقد أن اللهجات وآدابها العامِّيَّة تجترُّنا القهقرَى إلى عكس اتجاه المشروع النهضوي الذي طالما حلمنا به، على مستوى العِلْم، والثقافة، والمجتمع، والوحدة، بأبعادها الوطنيَّة والقوميَّة.  والذين لا يعرفون من شأن اللغة سوى الاستمتاع بقصيدةٍ أو أغنية، لا يدركون خطورة الأمر، ولو على المدى البعيد. والسبيل لمواجهة هذا الطوفان اللهجوي الراهن، الذي يغمر الإعلام والمنابر الثقافية وحتى التعليم، يتمثَّل في عودة الأمور إلى نصابها، وتقديم الصالح العامّ على القَبَليَّات، والمناطقيَّات، والقُطريَّات، واستشعار المسؤوليَّة العربيَّة المبدئيَّة. الجُثَّة العربيَّة لا ينقصها التفسّخ، ولا مخالب الأعداء، لنُنشب فيها نحن أظفارنا، متذرعين بشعارات مجَّانيَّة، قاصرة الرؤية، لا تنظر إلى أبعد من أرانب أنوفها.

 

الإصدارات الروائية يطغى كمها على كيفها

هل تراجعت الرواية العربية إلى الخلف إبداعياً أم تقدمت؟ ولماذا؟
وهل تقدَّمت قط؟! لقد ظلَّت تحاكي الآخَر الغربي وتدور في فلكه. وعلى الرغم من بعض التجارب البارزة، كتجربة نجيب محفوظ، وعبدالرحمن منيف، والطيِّب صالح، فقد طغى الكَم على الكيف، وضوضاء الإصدارات عددًا على النوع.  وأعني بالنوع تلك الرواية العربيَّة الوجه واليد واللسان، لا التي تعتمر القبَّعة، أو تكشف عن ساقيها، لتلج صرح الرواية الغربيَّة الممرَّد.

أيهما سيسلّم الراية للآخر؛ الرواية أم الشعر؟
لماذا؟ هل أُعلنت الحرب بين العُربان؟!.

ترى ما سبب الجدل القائم عربياً حول قصيدة النثر؟ وهل هي قصيدة شعرية أم لا؟
اسمها قصيدة نثر، لا قصيدة شِعر. لكن التطوُّر الحادث أن يقول لك أحدهم: هي قصيدة نثر، لكن، انتبه، هي: قصيدة شِعر!  إذن لم تعد الأزمة أزمة مصطلحات، بل أزمة مفاهيم. على أن الجدل ليس عربيًّا فقط. بيد أن حِدَّة الجدل تهتاج عربيًّا لأن الشِّعر لدى العرب أبو الفنون، وأُمُّها، وجَدُّها، وابنها وحفيدها!  فأنْ تقول لفلان لست شاعرًا، وهو يظن نفسه كذلك، فستبوء بإثمك وإثمه، هل تتوقع أن يسكت؟!  المسألة مسألة حياةٍ أو موتٍ لدى هؤلاء.

في الختام، ما الجديد في حياة الدكتور الفيفي على مستوى التأليف والكتابة الإبداعية؟
مجموعة شِعريَّة ثالثة، ورواية، وبعض المشاريع الأكاديميَّة.

الشاعر عبداللطيف عبدالحليم: نحن نضيع كل شيء، ولا نتعلم من أى شيء

$
0
0

عندما تلتقي بالشاعر المصري "عبد اللطيف عبد الحليم" الملقب بـ "أبي همّام"، لا يسعك إلا أن تنحني إجلالاً وإكباراً لشاعر أحب العربية وأحبته العربية، حتى غدا من روادها القلائل الذين حوّلوا الشعر أداة من أدواتها، وصاغوه بحراً وقافية لتمجيد حرفها وتوشية صورتها وتراكيبها ومعانيها. وهو فوق هذا يجمع بين ثقافتين؛ العربية والإسبانية، وله فيهما باع طويل سواء في الدواوين الشعرية أو الأعمال المترجمة، وفي وجدان"أبو همّام" أحزان كبيرة لما آل إليه الوضع في مصر بعد الثورة، كما لديه أحزان خاصة لما آلت إليه حال الثقافة وحال الشعر والشعراء في العالم العربي، ناهيك عن حزنه على أحوال الترجمة والمترجمين من تدهور وسطحية وبعد عن المصداقية "عربيات " التقت بالشاعر عبداللطيف عبدالحليم في كلية دار العلوم بالقاهرة وكان لها معه هذا الحوار. 


حفظت دواوين العقاد العشر ومعظم ديوان المتنبي قبل الالتحاق بدار العلوم هل هي إرهاصات الشعر؟
هذا صحيح، فقد بدأت حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة تقريباً، ثم بدأت أحفظ الشعر الديني كبردة البوصيري وغيرها، ثم تقدمت بى الأمور شيئاً فشيئاً حتى وقعت على دواوين كثيرة من الشعر وحفظت منها كثيراً، وأنا أذكر أنني حفظت كثيراً لشوقي والبارودي وعلي الجارم والمتنبي وديوان الحماسة والعقاد بطبيعة الحال، حتى دخلت دار العلوم وحصيلتي تقريباً عشرين ألف بيت من الشعر.

ما الذي أحدثه الربيع العربي في مخيلة ووجدان أبو همام؟
هو لم يحدث أثراً فقط، وإنما أحدث زلزالاً شعرياً في داخلي حتى أنني بدأت في بعض القصائد ولكني لم أنهها لأن الأمور تغيرت تغيراً شديداً، فبعد الفرحة حدث إحباط على جميع المستويات؛ الأمنية والاقتصادية والسياسية  إلى غير ذلك، لهذا فالشاعر حائر كيف يفرح أو كيف يحزن أو كيف يتفاءل أو كيف يتشاءم، ولذلك لم أنه الأعمال الخاصة بالثورة. فكل ما يحدث في العالم العربي محبط ومحزن، ونحن نعيش عصراً أسوأ من عصر ملوك الطوائف في الأندلس، وأخشى على هذه الأمة أن تندثر.

كيف وجدت التلقي العربي والتلقي الغربي لدواوينك الشعرية المترجم منها وغير المترجم؟
دواويني أحدثت أصداءً طيبة لدى المتلقي العربي وغير العربي على السواء، بدليل أنها أحرزت جوائز كثيرة عربية ومصرية وأيضاً حين ترجمت إلى اللغات الأخرى أحسست بأثر طيب، فبعض قصائدي تم ترجمتها إلى الماليزية وكذلك إلى الإسبانية والإيطالية والفرنسية وغيرها. 

لكن هل تعتقد أن المتلقي العربي الآن مؤهل لتلقي كل الثقافات ومنها الشعر؟
المتلقي العربي الآن أصابه ما أصاب الأمة العربية كلها من ترهل وضعف، وقاريء الشعر عندنا قليل، لأنه قاريء مختلف عن القاريء العادي للقصة والرواية، ولكن لا يزال في الأمة خير، فهناك أناس يقرأون ويتذوقون ويستمتعون لكنهم قلة. 

 

بعض الترجمات في مصر لا تستحق الورق

إلى أى حد ترى العلاقة بين الأدب العربي والأدب الإسباني قائمة إلى الآن؟
تأثير الأدب العربي في الأدب الإسباني هائل جداً جداً، ولا يزال الناس هناك يتحدثون شعراً يستلهم التاريخ الأندلسي والتاريخ العربي، وهذا شيء طيب. ونحن الآن نحاول خصوصاً في مسألة الترجمة من الإسبانية إلى العربية وبالعكس أن تكون الترجمة  جيدة، ولكن هناك أناس واغلون على الترجمة، لا يستطيعون القراءة الصحيحة ولا الترجمة الصحيحة، وهناك ترجمات ينشرها المجلس الأعلى للثقافة في مصر لا تستحق الورق لأنها ترجمة مهلهلة ورديئة عدا بعض الترجمات القليلة الجيدة.

ما الذي يمثله ديوان "أغاني العاشق الأندلسي" في وجدان أبو همام وإبداعه؟
هو مرحلة من المراحل، ولا تزال الأندلس فردوساً مفقوداً بالنسبة لي، وأنا أستلهم الأندلس في أشياء كثيرة جداً أستلهمها تاريخاً وأستلهمها واقعاً حتى الآن، ولذلك أكاد أكون كما قال النقاد عني "الشاعر الوحيد الذي أنزل الشعر من التاريخ إلى الشارع" فقد تحدثت عن الراقصة الغجرية وتحدثت عن رجل الشارع الأندلسي والمقاهي الأندلسية والبواب الأندلسي وغير ذلك. 

هل بالغنا في رأيك في الاهتمام بـ "ولاّدة بنت المستكفي"؟
ولادة بنت المستكفي لم تكن فقط شاعرة وإنما كانت مؤثرة في حركة الشعر الأندلسي، ويكفي القصائد التي كتبت عنها عند ابن زيدون مثلاً، فهي رمز ونموذج، وللعلم أنا لدى قصائد لشاعر من ليما في بيرو كتب عن ولادة بعض القصائد وترجمتها، فلا تزال ولادة مصدر إلهام وهي حركة أساسية في مسيرة الشعر والحياة الأندلسية عموماً. 

لكن ألا توجد حالات مماثلة لولادة في تاريخ الأندلس؟ وكيف ترى المرأة العربية الآن؟
هناك 25 شاعرة ذكرهن بعض المؤرخين الأندلسيين، في حاجة لجمع شعرهن والحديث عنهن. أما المرأة العربية فهي في الحقيقة مهانة على كل المستويات وخاصة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهي في حاجة ماسة لمزيد من الحقوق. 

هل ترى أننا مقصرون في هذا الجانب؟
المشكلة للأسف فيما يتصل بالأندلس أن الذي يتصدى للأندلس لا يتقن اللغة الإسبانية، ولابد لدارس التاريخ الأندلسي من إتقان هذه اللغة؛ لأنه يجب الاهتمام بالأندلسيين لما لهم من إسهامات مهمة جداً فيما يتصل بالشعراًوالنثر والتاريخ والحضارة. 

 

نضيع كل شيء، ولا نتعلم من أى شيء

ما الدرس المستفاد من تاريخ الأندلس لنا كعرب؟
نحن يا صديقي كعرب لا نستفيد من أي درس، فقدنا الأندلس حينما ضعفت مصر العربية والإسلامية، فقد سقطت الأندلس في عصر كانت مصر فيه في غاية الضعف، ومن هنا كان الاستنجاد بالمماليك والمصرين لكنهم لم يكونوا يستطيعون شيئاً. فنحن نضيع كل شيء، ولا نتعلم من أى شيء.

لكن الأسبان الآن مقبلون على الثقافة العربية بشكل أكثر شمولاً أليس كذلك؟
بلى، فالثقافة العربية لدى الإسبان مقبولة جداً منذ سنوات وعقود طويلة خلت، وهناك أعلام كبار في الأدب الأندلسي والاستشراق الإسباني، لكن ما نقوم بتحقيقه نحن الآن في الأدب الأندلسي، وما نتواصل به معهم، هو في أغلبه ثقافي عام وسياسي وليس أدبياً بطريقة أساسية.

 

الخروجات على الشعر الموزون باطلة، ودعاة الانتصار للرواية نسوا أننا أمة غنائية 

ما رأيك في التغيرات التي طرأت على الشعر العربي؟
نحن في برج بابل يا صديقي، الألسنة مختلطة جداً ولا تكاد تدري ما هو الشعر الحقيقي، وفي رأيي أن الشعر الحقيقي هو الشعر الموزون المقفَّى، وأن الخروجات التي تمت هي خروجات باطلة وسوف تؤدي إلى الشعر مرة أخرى، لأن الناس جربوا التساهل وجربوا التسيب، وأصبحنا الآن نقرأ دواوين لشعر فلان وعلان وهي كلها نثر ولا صلة لها بالشعر. المشهد مختلط جداً وسيء.

وماذا عن صراع الشعر والرواية؟
لا يوجد صراع بين الشعر والرواية، فالشعر هو ديوان العرب وسيظل أو ينبغي أن يكون هكذا، أما الرواية والمسرحية وما إلى ذلك ما هي إلا نباتات مستزرعة في تربة الثقافة العربية، والناس لا تزال تطرب للشعر، لكن القضية أنه لم يعد لدينا شعراء كبار يحققون الطفرة المطلوبة في سيطرة الشعر، وبعد أن حصل نجيب محفوظ على نوبل، بدأ الناس يقولون إن العصر عصر الرواية، وهذا إذا صح في الآداب الأخرى فلا يصح في الأدب العربية.

لماذا لا يصح في الآداب العربية؟
لأننا أمة غنائية، ولغتنا مختلفة عن اللغات الأخرى، فهي لغة موزونة على المستوى الصرفي أولاً ثم على المستوى الجمالي وهو "العروضي"، ولغتنا لغة اشتقاق بينما اللغات الأخرى لغات نبرية وليست لغات اشتقاق وهي خالية من الوزن الصرفي مطلقاً. 

هل تأثر الشعر العربي بغياب الطرب الأصيل؟
الوزن في اللغة فطرة عندنا، والناس يطربون حتى للأزجال، ونحن أصبحنا نسمي الزجل شعراً وهذه مأساة أخرى، فالزجل زجل وهو داخل إطار العامية، وللعلم الرجل العامي الذي يكتب، ينظم على أوزان الخليل بن أحمد، فهي فطرة ولن تزول هذه الفطرة على الإطلاق.

 

بعض النقاد لا يفهمون ما يكتبون 

لماذا في رأيك نحن مقلّون في إعداد جيل من النقاد على المستوى العربي؟
النقاد عندنا يتساهلون كثيراً، ولا يقرأون، ويكتبون كتابات غامضة وغير مفهومة، وأنا أظن أنهم لا يفهمون ما يكتبون، وقد قرأت المذاهب الأوروبية الجديدة في النقد الأدبي باللغة العربية فلم أفهمها، ولما قرأتها بالإسبانية فهمتها، والحل يكمن في إصلاح المنظومة التعليمية العربية.

ما الذي بقى من التراث الأندلسي حتى الآن؟
التراث الأندلسي باق كله، إلا ما ضاع منه بفعل الزمن، لكنه باق ومؤثر وسوف يظل مؤثراً ما بقيت العربية. 

 

دراسة المخطوطات الأندلسية قد تقلب الموازين النقدية والثقافية

هل من توصية ما في هذا الإطار؟
لابد أن نسعى كعرب إلى التراث الأندلسي كما سعى المستشرقون إلى مخطوطات الأندلسيين، وإحضارها من جميع أنحاء العالم، وعلينا أن ندرسها ونحققها لأنها ربما تقلب بعض الموازين النقدية أو الثقافية فيما يتصل بالأدب أو الفكر عموماَ. 

لماذا اخترت "أنطونيو جالا" تحديداً و "خاتمان من أجل سيدة" لترجمتهما؟
لا يا صديقي، أنا لى عشر كتب مترجمة من اللغة الإسبانية، ولي بعض القصائد العربية ترجمتها إلى الإسبانية، أما أنطونيو جالا فهو يمثل لي صديقاً، كما يمثل لي أيضاً لغة مختلفة غير التي يكتب بها الإسبان عموماً، فهو رجل له لغة مميزة مثل لغة محمود شاكر ولغة العقاد في العربية، لذا فأنا مفتون به من هذا الجانب، الأمر الآخر أن الرجل منصف للثقافة العربية والأندلسية وقليل ما نجد مثل هذا الإنصاف.  


 

لماذا في رأيك نترجم بالصدفة ودون آلية قائمة؟
هذا الوضع قائم منذ فترة طويلة وسيظل قائماً فيما أعتقد، لأنه لا توجد لدينا هيئة تنظم ما هو مطلوب ترجمته، ومن ثم فالأمر يتعلق بالاجتهادات الشخصية، ورغم ذلك فأنا شخصياً عندما كان يطلب مني المجلس الأعلى للثقافة ترجمة شيء ما كنت أبادر بترجمته. والمؤسسات الثقافية تمد يد العون إلى حد ما في أمر الترجمة، لكن للأسف دون وجود سياسة حقيقية.

هل ما تم ترجمته يحتاج لمراجعة؟
نعم، لابد أن تقوم المؤسسات بمراجعة ما تم ترجمته بالفعل، لأن بعض هواة الترجمة وبعض أساتذة اللغة الإسبانية في الجامعات المصرية  مثلاً لا يعرفون العربية جيداً، ويكتبون بلغة عربية مهلهلة وبعيدة عن الأصل الإسباني وهذه مشكلة كبيرة. 

لكن لماذا لا توجد مبادرة من خبراء الترجمة في مصر لتدشين هيئة لترجمة الآداب والثقافات الإسبانية بشكل صحيح؟
الجهود الفردية تعجز عن مثل هذا، وحتى النخبة المثقفة لا تستطيع فعل شيء لأن أغلبها أناس مطحونون في معترك الحياة، ومن ثم يجب أن تقوم مؤسسات الثقافة والترجمة بدورها. وقد اتصلت بي جريدة الأهرام أوائل الثمانينيات من أجل الاتفاق على بعض الترجمات فوجدت أن ثمن الكلمة بـ "ثلاثة تعريفة" فرفضت. وأي كتاب مترجم حين تريد أن ترتقى به إلى أي درجة علمية في الجامعة لا يعتبرونها وهذا من ضمن المعوقات الكبيرة جداً في مسألة الترجمة وأنا أتصور أن كتاباً مترجماً أفضل من عشرين بحثاً من بحوث الماجستير والدكتوراة التي تجاز الآن.

لماذا إذن لم يتم الاعتراض على ذلك؟
اعترضنا كثيراً لكن دون فائدة ، وأنا شخصياً قدمت بعض الكتب المترجمة للترقية لأستاذ مساعد فلم تدخل في الإنتاج.

الترجمة أو التحقيق، أيهما أولى بالمرحلة الحالية؟
كلاهما وزيادة. 

علاقة الشاعر بالمتلقي كيف تراها؟
المتلقي عليه أن يبذل جهداً ضخماً لكي يقرأ ويرتقى بذائقته اللغوية والشعرية، والأديب ليس مطلوباً منه أن يهبط إلى مستوى المتلقي الضعيف، بل عليه أن ينهض بالمتلقي، لأن هذا هو ما يخدم الأمة ويرفع من قدرها الثقافي والأدبي. 

في الختام ما أبرز تطلعاتك القريبة والبعيدة؟
أتطلع إلى الحرية ومزيد من الديمقراطية ومزيد من الإحساس بالكبرياء العربية والإسلامية لهذه الأمة كلها، فنحن لا نملك إلا الدعاء لهذه الأمة، وندعو أيضاً فناً لهذه النهضة فعن طريق الفن ترتقى الأمم وتتحقق نهضتها. 

الشاعرة الأمريكية تيري كيربي إريكسون: إنجازات المرأة العربية مثيرة للإعجاب

$
0
0

تحاور عربيات في هذه المقابلة الحصرية الشاعرة الأمريكية تيري كيربي إيركسون بمناسبة حصولها على عدد من أبرز الجوائز الأدبية في الولايات المتحدة، منها اختيارها كشاعرة العام 2013 بواسطة كلية "إيموري وهنري" في ولاية فرجينيا، وحصولها على الجائزة الكبرى لولاية كارولينا في مسابقة الكتابة النسوية لهذا العام، وتجدر الإشارة إلى أن الشاعرة سبق وأن حصلت على الميدالية الذهبية والفضية عن ديوانها "على راحتي الملائكة" كما أن ديوانها "نسرد حكايات من الغسق" احتل المرتبة 23 ضمن قائمة أحسن المبيعات لعام 2010، وهي عضو في جمعية كارولينا الشمالية للشعر ورابطة أدباء ولاية كارولينا الشمالية وأكاديمية الشعراء الأمريكيين.

بداية نهنئك على الجوائز القيمة التي حصلت عليها هذا العام، وبنظرة على مشوارك نرى أنك قد عشت تجارب عديدة مع الألم، غير أن قصائدك تتميز بنزعتها التفاؤلية وحب الحياة، ما هو تفسيرك لهذه المفارقة؟
أشكركم على التهنئة اللطيفة، بإعتقادي عندما تحدث أمور صعبة لنا وللذين نحبهم، يمكن أن نختار مواجهتها بالإنفعال والإنعكاس السيء على شخصياتنا، أو الاستفادة من تجاربنا مع الألم لتعزيز قدرتنا على الشعور بالتعاطف والرحمة حيال الآخرين، والتضامن معهم في أوقات الشدة والمحن، مهما تباينت شخصياتنا وخلفياتنا، فاللطف لا يعرف حدود، وثمة جمال فاتن في الطبيعة وفي القلوب الطيبة يجعلنا نحب الحياة، ولذلك أنا متفائلة على الدوام، وأؤمن أنه مهما كانت لحظتنا الراهنة عسيرة وصعبة فإن الغد قطعاً سيكون أفضل حال، لأن الشمس ستستمر في الإشراق، والقمر سيواصل البزوغ، والسماء ستظل مرصعة بالنجوم، لتحملنا الأحلام فوق أمواج الحياة إلى يوم آخر حيث كل شيء ممكن. فكيف لا نحب عالمنا هذا؟ وكيف لا نكون متفائلين؟ وإذا أضفنا إلى كل ذلك، حس الدعابة والإيمان القوي بالخالق، مع وجود أصدقاء أوفياء، ودعم عائلي، فإن كل هذا في الحقيقة يجعلنا في غبطة لا حدود لها. إن الإحساس الذي يتملكني عندما أستيقظ في كل صباح هو الإمتنان.. وهذا هو المصدر الذي أستلهم منه قصائدي.

نشرت حتى الآن ثلاثة دواوين شعرية، وتملكين خيالا خصبا وتجربة طويلة في مجال الكتابة، هل قصائدك مستمدة من تجارب واقعية؟
كل قصيدة أكتبها تعبر عن الواقع من منظور تجربتي الشخصية، فهناك نواة حقيقية من عالمي الذي أعيشه وأراه، وأعتقد أن الشعر هو ترجمة لتجربة حقيقية، لكن هذه ليست كل المعادلة، إذ هناك شيء من سحر الإبداع والخيال نوظفه لجذب القاريء.

الموهبة تجمع مشاعرنا في قالب لغوي غنائي

الموهبة هي التي تصنع الشاعر أم الدراسة وإتقان اللغة؟
في تصوري على الشاعر أن يملك الموهبة والتحكم في ناصية اللغة لكي يحقق النجاح، فضلا عن الإحساس وقوة الملاحظة.. فالكلمات هي المواد الأولية لإنتاجنا الشعري، وما يحصل هو أن الموهبة الفطرية تساعدنا على جمع أفكارنا ومشاعرنا وخبراتنا في قالب لغوي غنائي يفضي في النهاية إلى ميلاد القصائد.

في زمن الأزمات والصراعات والماديات، هل تتصورين بأن الشعر قادر على علاج المواجع البشرية؟
كتابة وقراءة الشعر تعد بلسما للروح، فهو لغة الإحساس التي تجمع البشر مهما اختلفت جنسياتهم وألوانهم، فلايوجد خلاف على أن كل منا ينشد العيش بسلام ومحبة ورضا عن النفس، وأتصور أن الإقرار بذلك يقطع الطريق على الكثير من الصراعات بين الشعوب والأمم. صحيح أنه ليس بوسع الشعر حل كل المعضلات التي نتخبط فيها وسط هذا العالم، غير أن تبادل كلمات نحبها وتعبر عن مشاعرنا يعد منطلقا رائعا لبداية إلتحام الجميع.

هل لك قراءات في الأدب العربي؟ أو إطلاع على أعمال رموزه؟
بحوزتي مجموعة بعنوان شعراء عرب معاصرون 1950-1975 قام بترجمتها وتحريرها عيسى بلاطة، ومن بين أجمل قصائد الديوان بالنسبة لي قصيدة "أنشودة المطر" للشاعر العراقي بدر شاكر السياب، وقد أعجبت كثيراً بطريقته في تكرار كلمة المطر في هذه القصيدة الجميلة:

عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ

أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ

عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ

وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ.. كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ

يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ

كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا، النُّجُومْ

 أنا معجبة أيضا بالشاعر التركي ناظم حكمت، وقد كنت في الواقع واحدة من بين أحد عشر فائزا ضمن التصفيات النهائية عام 2011 في المسابقة الدولية للشعر والتي تحمل اسم هذا المبدع الكبير، و كان ذلك شرف عظيم لي.

انجازات الشيخة لبنى القاسمي مثيرة للإعجاب

وما هو انطباعك عن المرأة العربية المعاصرة؟
قرأت مؤخرا أن وزير دولة الإمارات العربية المتحدة للتجارة الخارجية الشيخة لبنى القاسمي، تصدرت قائمة من 100 امرأة عربية الأكثر نفوذا في العالم (التي نشرتها مجلة CEO للشرق الأوسط)، وقد كانت إنجازاتها مثيرة فعلا للإعجاب ومن بين المدرجة ضمن هذه القائمة أيضا الشيخة مها منصور سلمان جاسم آل ثاني، التي دخلت التاريخ بعد أن أصبحت أول امرأة قاضية في قطر.
وبلا شك الكثير من النساء العربيات أحدثن تأثيرا ملموساً عندما يتعلق الأمر بالفنون الإبداعية على الرغم من أن الأمر كان سيكون أروع لو أن كتبهن ترجمت إلى لغات أخرى.. أنا أيضا أستمتع كثيراً بأعمال الشاعرة نعومي شهاب ناي، التي ولدت في الولايات المتحدة من أب فلسطيني وأم أميركية، ومثلما تشرفت أنا هذا العام 2013 بالتكريم تم اختيارها من قبل كشاعرة الشرف الأولى في كلية "إيموري وهنري" بولاية فرجينيا. وهناك زميلة أخرى وهي شاعرة لبنانية الأصل صدرت لها مجموعة شعرية هذا العام وتدعى هدى هبرة،  طبعت أعمالها الشعرية في نفس دار النشر التي صدرت عنها اثنان من مجموعاتي الشعرية "نسرد حكايات من الغسق " و"على راحتي الملائكة".

هل هناك كتاب ترك تأثيرا قوياً في نفسك؟ ومن هو في نظرك أهم شاعر أمريكي لا يزال على قيد الحياة؟
الديوان الشعري الذي ترك في نفسي تأثيرا بليغا هو للشاعر الأمريكي "تيد كوزير" وهو بعنوان "مسرات وظلال" وقد استحق عنه جائزة بوليتزر للشعر. كانت مجموعة شعرية مدهشة، وقد قال عنه أحد النقاد بأنه إذا كان كوزير يرى عادة أشياء لا تبدو لنا رائقة لكنها مع ذلك تتجلى تحت قلمه أكثر روعة و إدهاشاً، لاشيء يغيب عنه، ومن وجهة نظري يعتبر تيد كوزير أعظم شاعر أمريكي معاصر.

تعملين كمدرسة في مجال الكتابة الإبداعية، ما هي أهم النصائح التي تقدمينها عادة إلى طلابك؟
أقوم بالتدريس ضمن ورش عمل، وإلقاء محاضرات دورية لطلاب الكتابة الإبداعية من مختلف الأعمار، وأفضل نصيحة أستطيع أن أسديها لهم هي أن يكفوا عن السعي باستمرار للهو بأجهزة الكمبيوتر، وألعاب الفيديو، والهواتف الخلوية، والتلفزيون، وما إلى ذلك، ويحاولوا التركيز على تطوير حياتهم، بإعطاء اهتمام أكبر لأفكارهم ومشاعرهم، واكتشاف ومعاينة العالم من حولهم. بما أنهم اختاروا توظيف قدراتهم اللغوية وتحدي مخيلتهم بكتابة القصص والقصائد من المهم جدا على الشباب أن يدركوا بأننا لا نستطيع سماع صوتنا الداخلي الذي يتحدث في قصصنا وقصائدنا إذا لم نحسن على الدوام الإصغاء له ولأصوات الآخرين.

معهد العالم العربي في باريس يحتفي بمرور 25 عاماً من الإبداع في الرياض

$
0
0

"الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية" هذا ماقاله بابلوو بيكاسو، أما فرانسواز ساجان فقالت بأن "الفن يجب أن يفاجئ الواقع"، وضمن هاتين المقولتين يظهر الفن بلغته العالمية الخالصة.

 أصبح التوق والشغف للفن في العالم العربي أكثر من قبل؛ أو كأنه عاد إلى عصره الذهبي مرة أخرى، لاسيما مع وجود صالات تهتم بجميع أطياف الفن وتعدادته، مع التركيز على الفن في العالم العربي والإسلامي، ومنذ أسبوع استضاف غاليري "نايلا" باقة من أعمال العرب ضمن معرض 25 عاماً من الإبداع العربي، لأول مرة في المملكة العربية السعودية بمدينة الرياض، وبمبادرة من معهد العالم العربي بباريس فرنسا، وقد جاء المعرض كإحتفال باليوبيل الفضي لمعهد العالم العربي بباريس. وقد تم الافتتاح برعاية من معالي الدكتور عبدالعزيز بن محي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام، وسعادة السيد جاك لانج رئيس معهد العالم العربي في باريس، وبحضور السيدة منى خازندار مديرة المعهد، في 29 ابريل 2013 وسيستمر المعرض حتى 7 يونيو 2013.

جاءت هذه المبادرة لتؤكد بدورها على تعزيز العلاقات الثقافية العريقة بين فرنسا وبين المملكة، إضافة إلى إلقاء الضوء على أهم تطورات الفنون البصرية في العالم العربي على مدار 25 عاما لأعمال أشهر الفنانيين المعاصرين العرب. 

يقول إيهاب اللبان والذي تكفل بمهمة بناء المعرض: "من المؤكد أن هناك ملامح حضارية وسمات ثقافية كثيرة ومتباينة، يتكون عبر تجاورها شكل أي مجتمع، وعن طريق رصد وملاحظة هذه الصفات نستطيع فعلاً رسم صورة شارحة وبناء مشهد شبه متكامل لشخصية وطبائع هذا المجتمع". ويضيف: "يعيد المعرض استكشاف أعمال وممارسات تم عرضها أو عرض أفكارها الأولى في عروض سابقة إقليمية أو دولية من مشاريع تحاور الفكرة المعاصرة، منها الذاتي أو الغامض أو الكامل، ومؤكد التفسيرات".


من الأعمال المشاركة في المعرض

على هامش معرض إبداع الفن العربي، أقيمت أمسية فنية في غاليري نايلا تروي قصة سيرة ومسيرة الفن لدى كل  من الفنانين السعوديين عبد الناصر غارم، والفنانة مها الملوح قدم كل واحد منهما مسيرته الفنية من خلال أعماله الفنية.

تحدثت مها الملوح بكل شفافية عن أعمالها برؤية ثابتة خاصة بها، فالشغف للذاكرة يظهر في أعمالها، وهي دائمة الالتفات لتفاصيل في حياتنا اليومية  نراها ولا نكترث بها، ويبدو أن أعمال مها تعيد الذاكرة لمعاني اختفت من ذاكرتنا، كما يغلب على أعمالها  استرجاع إحياء تراثيات البيئة السعودية، والتركيز على هوية الإنسان ضمن البيئة التي يعيش بها. عرضت الملوح بعض أعمالها مستخدمة تقينة (الفوتوجرام)، وتنوعت أعمال الملوح بين التصوير والأعمال الفنية المركبة. 


الفنانة مها الملوح

أما الفنان عبدالناصر غارم فاستعرض بداية مشواره مع الفن بسلاسة، معتبراً أن بداخل كل إنسان حب للفن. غارم الذي كانت لديه  محاولات عدة في بداية حياتة وصل إلى هويته الفنية بمشوار رسمه لنفسه من بين أعماله التي لاقت الإعجاب، فقدم قبة الرسالة والتي ترقد تحتها حمامة السلام، وتم عرضها في أحد مزادات دار كريستيز العالمية، وعمل آخر عبارة عن  قبة الكونجرس الأمريكي، ومن تحتها البترول مستخدما نفس أيقونة الكونجرس للتعبير عن العمل بشكل أدق. 

اللافت في أعمال غارم واقعيتها من حيث الشكل والمعنى، فهو دائم البحث عن ما يشغل العالم من قضايا إنسانية مؤثرة.

اتخذ غارم كلمة "آمين" أيقونة لأعماله القادمة، وهي الكلمة التي يتفق عليها جميع الشعوب ضمن لغاتهم، حتى كبرت الفكرة لدى غارم لتتحول تلك الأيقونة إلى مؤسسة فنية تعنى بالمواهب السعودية الشابة، وتمد لهم يد العون والدعم وتسهم في صقل تجربتهم الفنية.

الراديو مازال ينتصر للإعلام التقليدي

$
0
0

يسير بسيارته كعادته في شوارع المدينة وحيداً إلا من رفقة قهوته الداكنة. ينظر له الآخرون على أنه مصاب بانفصام في الشخصية، فهو يضحك داخل سيارته، يتحدث مع نفسه، ترتفع وتنخفض يديه في صراعات داخلية دون معرفة ما يحدث للآخرين. هو "وحيد" الذي يصف نفسه بأنه "كائن سماعي" وبأنه أيضاً "صديق الإذاعة" ويعلق عن حياته داخل سيارته بأنها تفاعل حي مع البرامج الإذاعية ومحتواها، فهو يضحك مع المذيعين والمشاركين، ويحزن لبعض القصص والأخبار، ويرسم خريطة الذهاب إلى عمله وفق تنبيهات الإذاعة بالشوارع المزدحمة التي ترد عبر رسائل من المستمعين السائرين. وبعيداً عن "وحيد"، هل كنت تنوي التوقف عند باب منزلكم وفجأة تراجعت بسبب سماعك لمحتوىً جاذب في الإذاعة عبارة عن أغنية، أو حوار في أحد الإذاعات؟ هذه هي سلطة الإذاعة وسر جاذبيتها. إنها ببساطة، آلة لا تموت، لا يخفت وهجها، ولا يهدأ ضجيجها بل تتطور وتندفع نحوها كل الأجيال حتى الحديثة المصابة بداء اللمس. 

 

جماهيرية الراديو
تتحدث نهال آل صابرمقدمة البرامج بإذاعة مكس إف إم لـ"عربيات" بقولها: "منذ بداية اختراع العالم الإيطالي ماركوني للراديو تم البث من الأقطار العربية وكانت السباقة في ذلك مصر والجزائر، وقتها فقط علمنا أن هذا الاختراع لن يمر بنا مرور الكرام.. ولم يمر، لكن إذا نظرنا إلى التطورات والتغيير فالراديو لن يهتز بأي من ذلك لأن جمهوره مختلف ولديهم من الولاء ما يكفي لإغراق أي وسيلة أخرى". 

مدير قسم الموسيقى بإذاعة ألف ألف إف إمسلطان العبدالمحسنفي حديثه لـ "عربيات" كان ضد فكرة الإلغاء بأكملها، وأوضح ذلك بقوله: "أولا باعتقادي أنه لا توجد أي وسيلة إعلام حتى وإن كانت جديدة، أن تلغي جمهور الوسيلة القديمة مهما كان، لاختلاف رغبات الجمهور في تلقي المعلومة بالوسيلة التي تتناسب مع نظام حياتهم، وثانيا الإذاعات من الوسائل التي ستبقى محافظة على مكانتها في قلوبنا جميعا لوجودها في السيارات التي نمضي فيها ساعات طويلة".

المذيعة بإذاعة مكس إف إم مروة سالموضحت لـ "عربيات" أن هناك سببين لبقاء الراديو الوسيلة الأكثر جماهيرية، وتبين السببين بقولها: "برأيي السبب الأول هو أن الراديو يعتبر من أقدم وسائل الإعلام اعتاد الناس عليه وتوارثوا حبه والتعلق به منذ بداية ظهوره لذا صعب التخلص منه، والسبب الثاني أن للراديو ميزة ليست موجودة في غيره وهي حالة المصاحبة والارتباط الذي يحصل نتيجتها بين المذيع والمستمع".

 

قواعد لجذب المستمعين
لعل بعض ما تعانيه بعض الإذاعات هو هروب المستمعين تجاه محطات أخرى، وهنا يتضح أن هناك قواعد لجذب الجمهور والإمساك به قبل أن يتحرك إصباعه ليسمع صوت ومحتوى مختلف. تؤكدمروة سالم على أن: "جمال الصوت و سلامة المنطق و المضمون الذي يحترم عقله ويقرب قلبه" من أهم القواعد التي تراها في عملها الإذاعي. أما سلطان العبدالمحسنفيجد أن " المادة المقدمة في الأساس هي الجاذب الحقيقي للجمهور, وتكون المادة في الغالب ترفيهية تخفف من هموم المستمع حيث أن المذيع في الأساس عبارة عن راكب إضافي وضيف على سيارات المستمعين". بينما تشيرنهال آل صابربقولها: "احترام عقلية المستمع واحترام وجهة نظرة مهما كانت تتفق أو تختلف عني هي القاعدة الأولى والأخيرة".

 

المواجهة الصعبة
كعادة أي عمل لابد أن يواجه ببعض الصعوبات، والعمل الذي يعتمد على التعاطي المباشر له نصيب أعظم من هذه الصعوبات. فلعل "ثقافة المجتمع" هو أبرز ما ركزت عليه نهال آل صابرفي حديثها عن الصعوبات. لكن العمل الطويل وفق ما يراه سلطان العبدالمحسن هو الأصعب ويبرر ذلك بحديثه: "الالتزام بساعات طويلة يومية، وأن تكون خلال ساعات برنامجك اليومية بكامل التركيز والإدراك مع محاولة إخفاء همومك وخلافاتك الشخصية لأن دورك في النهاية إسعاد المستمعين وتقديم مادة ممتعه و مميزة". وتختلف عنهم مروة سالمالتي تعتقد أنه "لا توجد صعوبات كبيرة في الراديو لأن العمل اليومي المستمر يجعل المذيع أكثر تمكنا وخبرة ومعرفة بمتطلبات المستمع، بالتالي تسهل الأمور عليه".

 

الراديو.. والمجتمع
لكل وسيلة عامل تأثير على المجتمع، قد يكون سلباً أو إيجاباً. "عربيات" تساءلت عن دور الإذاعة في تطوير المجتمع، لترد مروة سالم بقولها "طرح الأفكار الإيجابية هو أمر مهم جداً وعرض النماذج الناجحة المشرفة بالإضافة للقضايا التي تهم الجمهور مع اقتراح حلولها". بينما نهال آل صابر تقول: "المجتمع متعطش للتطوير والتثقيف والتنوير لذلك كل وسيلة إعلامية لديها تلك الرسالة تحملها على عاتقها كأمانة لإصلاح ما يمكن إصلاحه".

 

إحصائيات عن الراديو:

ـ يوجد الآن أكثر من 44000 محطة إذاعية في العالم.

ـ دخل الراديو أكثر من 75 في المئة من البيوت في الدول النامية.

ـ يصل الراديو إلى أكثر من 70 في المئة من سكان العالم عبر الهواتف المحمولة.


الصهبة.. فن التواشيح المكية خلدته الحضارات وقتلته المؤسسات

$
0
0

يتكئ موروث الحجاز على ثقافات متعددة ضاربة في أعماق التاريخ، ولعل ما يميز هذا الموروث الحجازي أن أهله لم يأخذوه كما هو فقط، بل أنهم – كعادتهم – يضيفون إلى الجمال ملامح تخصهم ويهبونه شيئاً من روحانية المكان. ولو أن موروثاً في الكون يشعر بالتهميش لتمنى أن يصل إلى الحجاز ويعيش به ليأخذ شيئاً من حقه في الاحترام والإحياء. والصهبة فن أندلسي تستخدم في غناءه الموشحات، وهناك من يسميه "الصهب" أو "الصهباء" إلا أنه انتقل للحجاز منذ عقود طويلة وأصبح سمة فنية بارزة للدرجة التي جعلت منه فقرة في استقبال أصحاب الجلالة والملوك والسلاطين، ومنهم الملك خالد بن عبدالعزيزرحمه الله.

لم يكن العم صالح عسيريعميد فن الصهبة الحجازي وهو يردد الموشح ويصفق بيديه في تمام سعادته، ولعله كان في تلك اللحظات يتذكر كيف بدأت الصهبة وسادتها الأولون، وكيف خفت ظلها، ثم أعادوها، وكيف تحولت الكلمة من الموشح الأندلسي وقصائد ابن زيدون إلى موشحات بلغة بسيطة قد يكون معظمهما من مصر في عهدٍ قريب، وكأن المسافة بين ارتفاع كفه عن الآخر هي بحجم خشيته على الصهبة وتحوّل الصفقة إلى ضرب الكف بالكف، كما أن في صدره شيء على المؤسسات الثقافية، فقد ألقى كلمة العُمد المكرمين في جمعية الثقافة والفنون بالطائف أثناء حفل تكريمهم وعاتب من خلالها المؤسسات الثقافية في جدة ومكة التي لم تلتفت إلى الصهبة ولم تكرم أسيادها.

وخلال الحفل التكريمي بالطائف، التقت "عربيات" بالعمدة طلعت غيثأحد أسياد فن الصهبة، والذي تحدث بداية عن فن الصهبة بأنه: "مأخوذ من الصهب وأساسها أندلسية المكان ومن ثم نقلت إلى الحجاز وأتقنوها أهل جدة ومكة والمدينة والطائف. والصهبة لها أدوات ولها قوامين، فمن الأدوات النقرزان بخشبتين ولكن ضربه يختلف عن نقرزان المزمار. والصهبة نوعين: صهبة يماني الكف، وصهبة مصري الكف. وكانوا سابقاً يقولوا عن الصهبة اليماني نقش في الحجر، وعن الصهبة المصري غرف من بحر، وكان يمتاز بالصهبة اليماني أهل سوق الليل والشامية، وأهل أجياد بالصهبة المصري. وإذا بدأ الغناء يبدأ بالموال ويكون بأحد المقامات وهناك يبدأ الحادي "قائد المجموعة" بالغناء، وهذا الغناء الذي نسمعه في العالم كله مجموع في عدة أحرف هي: "حُمرٌ دسج"، الحاء حسيني، السين سيكا، الميم مايا، الجيم جهاركاه، الراء رست، الدال دوكا."

ورداً على تساؤل "عربيات" حول غياب الصهبة رغم حضورها سابقاً في استقبال الملوك ومنهم جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، تحدث غيثبأنها: "اختفت فترة لأن السادة الأولين الذين كانوا يجيدون الغناء– والموت علينا حق – تواروا تحت الثرى ثم لاحظنا أن هناك شبه اندثار لهذا الموروث الشعبي الحجازي فبدأنا نستقطب بعض من الشباب لتعليمهم هذا الموروث، والحمدلله رب العالمين بدأنا في جدة بتهيئة بعض من الشباب وأصبحوا يجيدون الغناء، أيضاً في مكة هناك الأخ عثمان سعد يقود مجموعة من الشباب." ويربط العمدة طلعت غيثبين الغياب السابق وبين رسالته التي يوجهها إلى المسؤولين من خلال أمنيته: "من الجمعيات أن يكون لها دائما لقاءات دورية وتكوين شعبة خاصة في داخل جمعيات الثقافة والفنون تهتم باستقطاب الشباب الذين يتوارثون الفن عن آبائهم وأجدادهم حتى يظل الموروث محفوظ ونتداوله جيلاً بعد جيل."

الباحثة الأمريكية في التراث الفلكلوري ليسا أركيفيتشذكرت لـ "عربيات" أن فن الصهبة يسمى "الموشح المكي" وبشكل تقريبي انقرض. وكانت من أنواع الغناء المفضلة في المدينة المقدسة في المجالس العامة والخاصة، في حفلات الزواج، الاحتفالات، والمناسبات الخاصة. مساءات الصهبة كانت تمنح الترفيه الطبيعي للمجتمعات المدنية. وهي تعتبر مختلفة جزئياً في الغناء ولها قواعد صارمة في التأديبة وأنظمة وتوظيف للمقامات المكية المشهورة. مجموعة من الجلوس، حجازيون بزيهم التقليدي المعمم يجتمعون كلهم حول ضارب الطبلات – إيقاعي النقاقير – والتي هي أصغر ومسطحة أكثر من النقرزان الحديث الموجود في الأداء الموحد المدني. وهناك آراء متعددة تشير إلى أن الصهبة خليط من فنون الموشحات الأندلسية، والموسيقى التركية التقليدية، وأنها متأثرة بالفن المصري العثماني.

يشار إلى أن لجنة التراث والفلكلور بجمعية الثقافة والفنون بالطائف أقامت حفلاً لمؤدين فن الصهبة بمدن مكة، جدة، الطائف، والمدينة من خلال تكريمهم إثر محافظتهم على التراث الغنائي العريق للمنطقة.

محمد الشاعر لـ "عربيات: أجواء الريف أشعلت مواهبي، وبالتحدي واجهت الإحباط

$
0
0
حرم من التعليم كطالب، إلا أن ذلك لم يحرمه من أن يكون مُعلماً،  فالظروف التي نشأ فيها ابن البيئة الفقيرة والتي اضطرت والده إلى أن يقتصر سعيه على توفير قوت أبناءه فقط، لم تغلق في وجه الفنان محمد جمعة عبد السلامأبواب الأمل، إذ وجد في بيئته  مساحة للتعبير تارة بالشعر، وأخرى بالرسم..
خالط الشعراء الوافدين في أحد قصور الثقافة في مركز "طامية" في صعيد مصر، استمع إليهم، وحاول مجاراتهم، فعندما لمح منهم صداً عاد ابن الريف إلى الحقول والمزارع من جديد، خلوته هذه حركت داخله مشاعر شتى، فمن حواره مع الطبيعة لكن هذه المرة بريشة ولوحة إلى حواره مع "عربيات" حكايات وأد وميلاد، نستعرضها في مسيرة الفنان الثلاثيني .. 
 
كم تلقيت من التعليم المدرسي؟ 
 لم أتعلم كثيراً في المدارس نظراً لظروف أسرتي، وانتهى بى الحال إلى الصف الخامس الابتدائي فقط. 
 
 
هل وجدت مساعدة من أسرتك أو أقاربك فيما وصلت إليه؟ 
للأسف لم يساعدني أحد، لا من أسرتي ولا من أقاربي، والفضل فيما وصلت إليه هو للفطرة التي خلقها الله بداخلي من حب مفردات كثيرة موجودة في الكون الواسع، بالإضافة إلى الرغبة في أن أصبح شيئاً مفيداً في الحياة. 
 
متى شعرت بترحيب الناس بأعمالك الفنية والتشكيلية؟ 
عندما نجحت في الحوار الدائر بيني وبين ما أقوم برسمه من مناظر طبيعية ثابتة تخلو من تحركات البشر وصورهم؛ حيث قمت برسم لوحات ريفية على الورق في أول الأمر، وعندما رآها بعض جيراني أعجبوا بها، حتى أن بعضهم طلب مني أن أقوم برسم لوحات مثلها على حوائط منازلهم.
 
وهل فعلت ذلك؟ 
نعم، كانت هذه فرصة بالنسبة لي حتى أثبت لنفسي ولهم أنني جدير باحترامهم، حيث قمت برسم لوحات كثيرة على جدران المنازل والحوائط الداخلية لبعض الشقق الخاصة بمعارفي وأصدقائي وكل من يطلب مني الرسم.
 
هذه الخطوة هل حولتك من هاوٍ إلى محترف، فاتخذت الفن مصدراً للدخل؟ 
إلى حد ما، ففي الواقع،  المال لم يكن هو المهم بقدر الرغبة في إخراج المواهب والطاقات الفنية، ورغم هذا كان البعض يهبني بعض المال مقابل الرسم، فقد حدث مثلاً أن استدعتني إحدى المدارس لرسم لوحات طبيعية على كل أبواب فصولها الخشبية مقابل عشرة جنيهات لكل لوحة، وهي لوحات موجودة حتى الآن وأنا أفخر وأعتز بها. كما أنني كنت أسافر من الفيوم إلى القاهرة لأعرض بعض لوحاتي على محلات صناعة الصور والبراويز ونجحت في تحقيق مكاسب مادية معقولة بعدما أصبحت معروفاً لهم. 
 
مع مرور الوقت هل فكرت في تطوير قدراتك الفنية والتشكيلية؟ 
في بداية مشواري مع الرسم كنت أجد صعوبات كثيرة في رسم الوجوه والبورتريهات والتعبيرات البشرية، فكنت أكتفي برسم المناظر الثابتة، إلى أن التحقت بقصر ثقافة الفيوم وشاركت في العديد من الورش الفنية فتعلمت الكثير وتغلبت على صعوبات عديدة كنت أعاني منها عند محاولة ترجمة أفكاري إلى لوحات ومعارض.
 
على ذكر المعارض، كم معرض قمت بالمشاركة فيه؟ 
شاركت في معارض دائمة من خلال لوحات كثيرة أهديتها لبيت ثقافة طامية ومكتبته، وكذلك شاركت في معارض جماعية بقصر ثقافة الفيوم، وحالياً أقوم بالإعداد لمعرض بدار الأوبرا المصرية.
 
ما أفضل الخامات اللونية بالنسبة لك؟ 
الحقيقة أنا أستريح جداً للألوان الزيتية فهي تحقق ما أريده.
 
ما أبرز نشاطاتك الفنية في الوقت الحالي؟ 
من خلال تواجدي المتكرر بقصر ثقافة الفيوم أقوم بتدريس فنون الرسم وطرق التشكيل اللوني لطالبات مدارس وكليات التربية النوعية وكل من يحتاج إلى تعلم هذا المجال.
 
هل لك تطلعات في السفر إلى بعض البلاد العربية والأوروبية؟ 
السفر أمنية من أمنياتي الدائمة؛ لأنه يشجع أى فنان تشكيلي على الإبداع والتجديد، وأتمنى السفر إلى بيت الله الحرام، أولاً للزيارة، وثانياً للاستمتاع برسم لوحات عن قرب لبادية المملكة العربية السعودية ولبيئاتها المتعددة الوجوه والأشكال.
 
هل لازلت تكتب الشعر أم أنك تركته لتتفرغ لرسوماتك؟ 
أكتب خواطر شعرية منها العامي ومنها الفصيح، ولكني في الحقيقة أقرب للفن التشكيلي مني للشعر.
 
في الختام ما النصيحة التي تحب توجيهها لمن هم في مثل ظروفك الحياتية من الشباب؟ 
نصيحتى لكل إنسان أن لا يستسلم لليأس ولآراء الآخرين فيه؛ ففي مراحل حياتي واجهت إحباطات كثيرة من الناس ومن آرائهم، ولو استسلمت لكنت ضعت وانتهيت، ولكن من المهم أن يبحث كل إنسان عن مواهبة الفطرية التي خلقها الله بداخله حتى يحقق ذاته ويستمر في طريقه. 

شاعرة النوايا الحسنة هويدا عطا: قلمي سلاحاً أدافع به عن المرأة

$
0
0

هي نموذجاً فريداً لامرأة عربية جمعت شخصيتها عنفوان الأنثى وعقلانيتها، وشاعرة مرهفة الحس، شدى بكلماتها مطربون وموسيقيون عرب أمثال لطفي بوشناق ونصير شمة ومدحت صالح. بحثت عن الفن في التراث العربي؛ شعراً ونثراً وأعلاماً، وأحيت بقلمها تاريخ شخصيات كانت في طي النسيان حين ألفت "رجال مبارك بن لندن يتحدثون" ، و"الشرعبي ذاكرة 100 عام"، و"أيام لطيفة" إلى غير ذلك من مؤلفات وكتب حرصت خلالها ألا تغفل اعتبارات الملائمة والمعاصرة. وهي إعلامية حاضرة بما تثيره عبر المرئي والمقروء والمسموع من موضوعات اجتماعية مثيرة للجدل والنقاش والبحث والتنقيب فيما يخصها ويخص المرأة العربية في كل زمان ومكان، بل ويخص المهمشين والمهمشات من ذوي المرض والإعاقة؛ حيث تقرأ لها "إبراهيم .. طفولة لا تعرف الحلوى"، و"أم تقهر صمم أبنائها الثلاثة بمفردها"، هذا وغيره كثير يلقاه المثقف العربي في سجلها الإعلامي والصحفي الواسع.. إنها المصرية "هويدا عطا" الملقبة بـ "سيدة الصحراء"، الشاعرة والإعلامية، وسفيرة النوايا الحسنة بخيمة التواصل العالمية –خيمة حكيم العرب بدولة الإمارات ـ والتي خصّت "عربيات" بأحدث حواراتها حول الجديد والقديم من إبداعاتها وعالمها .  

بداية  ..من أين ابتدأت رحلة الشاعرة وإلام انتهت؟
بدأت رحلتى مع الإبداع فى سن مبكرة؛ فبمجرد عودتى من المدرسة كنت  أحضر على الفور كراسة الرسم وقلم الرصاص والألوان وأفترش بهم أرضية شرفة بيتنا، وأبدأ بالرسم، فقد كان للمشهد الرائع والذي يقع مباشرة فى اتجاه بيتنا بمدينة جرجا العريقة بمحافظة سوهاج مقراً للحكم العثماني في أوج فترات حكمه، مشهد تمتزج فيه ألوان الطبيعة من جبال "صفراء" ومياه النيل الزرقاء وأوراق الغيطان الخضراء والملونة، وكان لهذا المشهد الأثر الكبير في خلق موهبتي الأدبية.
 
هل لعبت المرأة دوراً ما في حياتك الإبداعية؟
بالتأكيد؛ فحضن أمى الحنون وصوتها الدافئ كان يملأ المكان ويبهج الحياة بشكل عام، بجانب حسها الفني والأدبى الراقي وإن كانت لم تكمل تعليمها، إلا أنها كانت ماهرة جدا فى سرد حكاياتها القديمة، ولم أكن أجد مفراً من الاستسلام لها  ولخمائلها السحرية التى تأخذني إلى مواقع الحدث وتاريخه، علاوة على هذا فهى كانت تستحق وبجدارة أن تلقب بالأم المثالية لما لاقته من شقاء شديد فى تربيتنا والإصرار على تعليمنا والوصول بنا إلى بر الأمان، فى وسط مجتمع قبلي كان يتحدى بشراسة تعليم الفتاة ويعتبره عاراً آنذاك.


ما الذي يثير حفيظتك بشأن المرأة العربية؟
ما يثير حفيظتى أنها لا تستغل القوانين والتشريعات الممنوحة لصالحها، فتسمح لنفسها أن يساء استخدامها  كسلعة مستهلكة ومثيرة ومستفزة فى الإعلانات التليفزيونية الرخيصة والتى تظهر مفاتن جسدها كأداة إغرائية لشراء المنتج، وأيضا استسلامها للاستغلال الغير أخلاقى من قبل منظمات الإتجار بالبشر، إلى جانب خضوعها الشديد للمظهر الشكلى الزائد عن حده... مما يؤدى بها إلى سوء فهمها وبالتالى التجرؤعليها.. وإثارة نظرة الاستخفاف بها، ثم تأتى فتشكو!

 
ما المشكلة النسائية التي ترينها عالقة في عنق الرجل ويجب عليه الوفاء بها؟
ظلم المرأة وعدم احترام عقليتها أو منحها فرصة التعبير عن نفسها، وعدم قدرته على تجاوز فكرة "سي السيد"، متجاهلاً أن المرأة تملك عقلا مثله يفكر ويبدع، وكل ما يحدث دوما من مشكلات مستعصية بين الرجل والمرأة يحتاج إلى حل فورى، وعلى الرجل أن يتذكر أن  آخر ما أوصى به رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المرأة فى خطبته بحجة الوداع "استوصوا بالنساء خيرا" .
 
ما الذي جنته حملتك "الأيادي البيضاء" دفاعاً عن المرأة وحقوقها؟
سلطت الضوء على المرأة ودورها فى كل الأماكن وخاصة النائية منها.. وأظهرت إنجازاتها على كل المستويات المختلفة بالمجتمع، وما تلك الحملة إلا نور أطل على بصائر النساء العربيات في كل مكان تواجدن به وأفرد ظلاله على ما يقمن به من العمل المتميز.

وهل كان لتلك الحملة تركيز ما على أوجه إبداع المرأة بصفة عامة؟
 نعم بالتأكيد، فحملة الأيادي البيضاء تتبنى الدرر الإبداعية المكنونة  لفتيات ونساء لم يجدن الوسيلة المناسبة والأيادي المساعدة لإظهار هذه المواهب وتلك الإبداعات الخضراء، بل وتهتم كذلك بالأمومة والترقي بفلذات الأكباد إلى مستويات علمية وثقافية يرضى عنها المجتمع، حتى يكونوا بمثابة ثمرات يانعة نافعة نفتخر بها جميعا، والحمد لله من خلال عملي الإعلامي شاركت ولو بجزء يسير في خدمة المرأة العربية وخاصة النساء المتميزات  في دولة الإمارات وكان بعضها بمثابة اكتشاف.

ما الذي يعنيه كونك "سفيرة للنوايا الحسنة"؟
كونى سفيرة للنوايا الحسنة بخيمة التواصل العالمية بدولة الإمارات، يعنى الكثير بالنسبة لي، خاصة بعدما لاقيته من المحبة والتقدير على أيدي من اختارونى لهذا اللقب والعمل، لذا فإن هذا الاختيار يحملنى مسؤولية مضاعفة، أولها  أن أكون عند حسن الظن ، وثانيها أن أعكس صورة مشرِّفة لبلدى مصر، وأعمل على تكريس التواصل الإنسانى الإيجابي بين البشر، فى رحاب هذه الخيمة الخضراء.

ماذا عن الوجه السياسي لـ "هويدا عطا"؟
أنا لا أنتمي إلى أي أحزاب سياسية.. فقط أنتمي إلى الطيبة والمحبة والتسامح والأخلاق والآداب والتقاليد التي أوصى بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وإلى كل من يمسح دمعة حزينة ويطفيء حر ظاميء ويشبع نفساً جائعة، أو يسعد النفس الإنسانية الحائرة في كل زمان ومكان، فإذا ما تحققت كل هذه الأسس الرحيمة ستمحو الصورة المشوهة للصراع السياسي بين الدول، وما يؤدي بها إلى حروب ومهالك لا يجني إنعكاساتها إلا بسطاء الناس والمهمشن منهم.

 

عشقي للتاريخ والصحراء يأسرني

أي دواوينك الشعرية تعتبرينه نقلة نوعية في شعرك؟
بالتأكيد ديوانى الأول "الطرف الآخر من العتمة" وهو أول ديوان نثري، كان النقلة الأولى والنوعية بحياتى الشعرية لما حواه من فلسفة شعرية نالت إعجاب الكثير من الشعراء والأدباء ومنهم الشاعر الكبير الدكتور حسن طلب  والشاعر المبدع الصديق أحمد الشهاوى والشاعر القدير نصارعبدالله وغيرهم.

حالياً، ما الذي يشغلك على مستوى الكتابة والتأليف؟
أنا الآن بصدد إصدار كتابين؛ الأول أدبى وهو "شرفة الياسمين" والذى يضم مجموعة مقالاتى الأدبية التى نشرت بمجلة "المرأة اليوم"، والثاني كتاب سيرة تاريخية يحمل اسم "أيام الفيروز" وهو عن الشاعر الإماراتى الراحل "جمعة الفيروز" وتجربته الشعرية والإنسانية المؤلمة وهو من أهم شعراء الإمارات، وسأحاول أن ألملم وريقاتى الشعرية المهترئة حتى لا تندثر تماما فى ديوان ثالث "للقصيدة النثرية" قريباً إن شاء الله .
 

 

 

 

كتابك "عابروا الربع الخالي" يشي بحب عميق للتراث القديم، فهل لك أن تحكي لنا عن هذه العلاقة؟
نعم، أعشق التاريخ وكل ما يمت للقدم بصلة، أو كل ما أشتم به رائحة الماضى الجميل وعبق القصص والحكايا الإنسانية والتاريخية المؤثرة، وهذا عشق يتملكني حتى النخاع، وأجد فيه بغيتى ومادتى الإنسانية الدسمة التى تأسرني فلا أستطيع الخروج من حبائلها وإغرائها، وللعلم أنا ايضاً عاشقة للصحراء متلهفة دوماً لكشف عالمها وإغوائها الوسيع، والحمد لله عقدت صداقات جميلة مع أهل البدو من شيوخ القبائل  ونسائها، حتى أنهم لقبونى بـ "سيدة الصحراء".
 
لماذا اخترت عنوان "واه يا غلبي" الدال على مزيج من التهكم والسخرية والألم .. عنواناً لديوانك عن الثورة المصرية؟

و كان فى الأصل يحمل الآهة باللهجة المصرية ولكن شاء صديقى العزيز الشاعر "محمدعيد ابراهيم" وأيضا الروائى العزيز "إبراهيم عبد المجيد" صاحب "بيت الياسمين" الذى صدر عنه الديوان، أن يمنحاه الحرقة والآهة الصعيدية التى تعبر بالفعل عن كل ما جاء به من إحساس وعشق ومحبة وامتعاض وكره ونقد وسخرية لهذا العالم الذى نحياه ولا يروق لنا أحيانا، فيقذفنا بكل ما أوتى من قسوة وغلظة وإيذاء.

هل تتفقين مع الرأى القائل بأن المرأة العربية أسرفت كثيراً في شعر الحب والرومانسية في الوقت الذي أهملت فيه قضايا أكثر أهمية؟
بالطبع لا، فليس كل المبدعات كذلك، وهناك بعض الأسماء الشعرية النسائية المعروفة، التي تغنت بألم ووجع الأوطان، خاصة في الأحداث التي نمر بها اليوم والتي تدفع القلب والإحساس للكتابة عن كل ما تحويه هذه الأوجاع والآلام وبكاء القلب الدائم على الوطن المليء بالجروح والجبهات المفتوحة على أفواه الأعداء المتربصين كالذئاب للانقضاض على الفريسة.

لماذا في رأيك تفر المرأة العربية من الشعر إلى الرواية في الوقت الحالي؟ وهل نحن في زمن الرواية فعلاً؟
سيبقى الشعر ديوان العرب ولسانها، وهذا لا يمنع أبداً من أن تكون للقصة القصيرة والرواية ثوبها ورونقها الخاص، وربما تكون الرواية قد وجدت من يهتمون بها ويصنعون لها مقاماً عالياً من التقدير والتكريم؛ لذا اتجهت بعض الأقلام إلى كتابتها، رغم أن كثيراً من تلك الأقلام ربما يكون مؤهلاً أكثر لكتابة الشعر وليس الرواية أو القصة، ومن ثم يكون الاتجاه لكتابة الرواية أحياناً هو نوع من التغيير والهروب من رتابة وملل الاقتصار على ممارسة جنس أدبي واحد، وعموماً  فلن يتغير أبد الآبدين ثوب الإبداع لونا ورائحة وحسا وإشعاعا، طالما هناك قلوب تنبض بالمحبة والإحساس والشعور، وتلك الأجناس المختلفة لابد أن تأتى بإبداعات مختلفة.

لعلاقة الثقافية بين مصر والسعودية بحاجة للإرواء


إلى أى مدى تربطك علاقات بالحركة الأدبية لشاعرات المملكة العربية السعودية؟
نلتقى بمحبة الإحساس على طاولة الإبداع المزهرة بكل الألوان من هنا وهناك، فتصبح فرصة "لتقافز" ما تسكنه قلوبنا من محبة وما يشغل عقولنا من شغف بالكلمة والبوح بها لتنطلق فى بهاء إلى أذهاننا، ومشاركاتي متكررة مع شاعرات المملكة فى الفعاليات الثقافية المختلفة.

ما تقييمك للعلاقات الثقافية بين مصر والسعودية في الوقت الحالي؟
تحتاج هذه النوعية من العلاقات إلى توسيع الرقعة الثقافية بشكل يبدى للجميع فرصة الالتقاء التنويرى والفكرى، ويترك بصمة وارفة بين البلدين، وإن كان هذا موجوداً لكنه في حاجة ماسة إلى مزيد من  الارتواء.

بصراحة، هل لمست فارقاً وجدانياً  في البيئة الشعرية والأدبية الحاضنة بين الإمارات والقاهرة؟
قديما ربما كان الفارق واسعاً لكنه اليوم قد تضائل، وباتت الثقافات تأتى إلى دولة الإمارات من كل حدب وصوب، لأنها تحتضن كل المهارات الإبداعية وتكرمها، خاصة في ظل جائزة الشيخ زايد للكتاب التى ذاع صيتها، ولا شك أن مصر الحبيبة فعلت هذا في قديم العقود، لذا لا تفارقنى "أزقة" الحسين القديمة التى هى زادى وترحالى للكتابة، والتى ربما تضيق فى بعضها فتتسع لك بمحبة الزمان الذى عاشته وتعيشه، ولكم أظل أعشق الجنوب الحزين "الصعيد" بكل ما فيه من فطرية طبيعية عجيبة ترغمك على العشق الأبدي  بلا هوادة.

في الختام هل أنت راضية عن حال المرأة المصرية شاعرة وكاتبة ومواطنة؟
بالتأكيد ليس كل الرضا، وخاصة عن حال المواطنة العادية التى تشقى شقاء الأمرّين في حياتها، فلا تجد حتى وقتا للابتسامة، فالمراة المصرية هى وجعى وألمى، ودموعى التى أذرفها عليها أطل فى ثنايا وجهها الذى ملأته التجاعيد غلبا وفقرا وقهرا، وأشتمُّ رائحة تحملها ما لا تطيق، فأكره هؤلاء الذين أرغموها على تحمل قسوة الظروف اللا إنسانية، لكن عزائي الوحيد أن المعركة واحدة، فربما نجد فى قلم الشاعرة والكاتبة سلاحا يدافع عنهن جميعا.

خبير الحركات الإسلامية هاني نسيرة: القاعدة تحولت من تنظيم إلى حالة يتأسى بها الإسلام السياسي

$
0
0
أعد دراسة مستفيضة عن فرص القاعدة في المنطقة، وعلاقة تنظيماتها بتيارات الإسلام السياسي

خبير الحركات الإسلامية هاني نسيرة: القاعدة تحولت من تنظيم إلى حالة يتأسى بها الإسلام السياسي

عربيات - القاهرة: محسن حسن

لا تزال الساحة العربية تشهد المزيد من حمامات الدم المنتشرة في العديد من دول المنطقة وعلى رأسها سوريا والعراق وليبيا، هذا بالإضافة لما يثار هنا وهناك من نزاعات دموية أخرى في المناطق الإسلامية والعالم، ولا يخلو أى نزاع من اسم "القاعدة"كواجهة أولى، ثم بعض التنظيمات الأخرى المنتمية لجماعات الإسلام السياسي المتبنية لمنهج العنف والتصفية الجسدية للخصوم والمخالفين كواجهة تالية، وهو ما يثمّن الدراسات القائمة على رصد ملامح التوقعات المتعلقة بتطور آليات تلك التنظيمات، وخاصة "تنظيم القاعدة"، ويثمّن أيضاً آراء الباحثين المتخصصين في إعداد تلك الدراسات... "عربيات"حاورت الباحث المصري وخبير الحركات الإسلامية  ومدير معهد العربية للدراسات والتدريب التابع لقناة العربية السيد "هاني نسيرة"حول أحدث دراساته عن تنظيم القاعدة وما يتعلق بفرص هذا التنظيم في المنطقة العربية فيما بعد ثورات الربيع العربي.
 

الفراغ الفكري والأمني بيئة مناسبة لفكر القاعدة 

بداية ما أهم ما توصلت إليه دراساتك بخصوص فرص تنظيم القاعدة في منطقتنا العربية مستقبلاً؟
دراستي قرأت أوضاع التنظيم العالمية من أفغانستان حتى القرن الإفريقي، وأكدت على وجود فرص أيدولوجية وتنظيمية للتنظيمات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة أو التابعة لها فكريا؛ مثل تنظيمات أنصار الشريعة المتواجدة في مصر وتونس وليبيا واليمن، والتي نسبت لها الاعتداءات الأخيرة على السفارات الأمريكية، كما كشفت الدراسة التي نشرها معهد العربية للدراسات والتدريب أن الفراغ الأيدولوجي والانفلات الأمني وصعود الإسلاميين، كلها تمثل فرصا جيدة وبيئة خصبة لتنامي كل هذه التنظيمات مستقبلاً. 

هل شهدت أيديولوجيا القاعدة تغيرات بعد مقتل بن لادن؟
بن لادن كان يركز مع منظري القاعدة على فكرة الجهاد الفردي وتنفيذ الأفراد لأهداف التنظيم عبر عمليات فردية غير مركزية أو مرتبطة بالقيادة المركزية لشبكة القاعدة ككل أو لتنظيمها الفرعي، فيكون الأفراد قنابل متحركة تخطط وتنفجر فجاة في أي مكان، ولكن الأخطر في رأيي هو تحول القاعدة من تنظيم إلى حالة يمكن اتباعها وتأسيها من تنظيمات السلفية والسلفية الجهادية الأخرى دون ارتباط تنظيمي معها، وبنفس الأهداف والمرجعية والرؤى، ولعل الرايات السود وصور بن لادن فوق السفارة الأمريكية في القاهرة تشرح ذلك. 

هل ثمة مخاوف حقيقية من أن يكون الربيع العربي فرصة لتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات لتحقيق حلم الوصول إلى سدة الحكم في أي دولة عربية؟ وكيف يمكن مواجهة ذلك؟
نعم، نشط فكر القاعدة أو جماعات مرتبطة بها فكريا في تونس وليبيا ومصر وعبر أسماء تنظيمات أنصار الشريعة، وهم يرفضون الديمقراطية ويشككون في غيرهم من جماعات الإسلام السياسي شأن الإخوان المسلمين، وقد كتبت في ذلك دراسة سابقة نشرها معهد العربية للدراسات بعنوان فرص القاعدة في دول الربيع العربي بتفصيل أكثر.

وفقاً لدراساتك، ما أبرز نقاط القوة ونقاط الضعف في تنظيم القاعدة؟
قوة القاعدة الآن متمثلة في الفراغ الفكري والأيدولوجي ونشاط التربة الخصبة والأفكار المتطرفة التي تكفِّر وتخوِّن كل شئ، بالإضافة إلى صعود الإسلاميين السياسيين لسدة الحكم بنفس المرجعيات وبنفس اللغة الاحتكارية للدين والوطنية والحق والعدل بمنطق ـ الفرقة الناجية- ، ومن ثم تصبح المنافسة بين القاعدة وباقي التيارات الجهادية وغيرها واردة بقوة، بل إن صراعاتهم قادمة بلا شك.

 

السعودية هي الأكثر خبرة في مواجهة القاعدة 

بالنسبة لمنطقة شبه الجزيرة العربية وتحديداً في المملكة العربية السعودية واليمن، ما فرص القاعدة الحالية والمستقبلية؟
المملكة العربية السعودية هي الأكثر خبرة وقدرة في مواجهة القاعدة، سواء كان ذلك بالضربات الفكرية حسب برامج المناصحة والسكينة واستتابة هؤلاء، أو بالضربات الأمنية الاستباقية التي نجحت في وأد عملياتهم ليس فقط في السعودية بل أيضا في المنطقة المحيطة، أما اليمن فإنها رغم نجاحات رئيسها عبد ربه منصور هادي ومعه رئيس الحكومة محمد سالم باسندوه في توجيه بعض الضربات للقاعدة في أبين ومحيطها إلا أن فرص القاعدة تظل قائمة في ظل ضعف الدولة وأزماتها وهو ما يمثل خطرا ليس فقط لليمن ولكن للمنطقة كلها كذلك، ومن جهة أخرى فإن عدم حسم الثورة السورية يمثل فرصة مثالية لعودة التنظيمات العنيفة في حال عدم التدخل الدولي من أجل القضاء على الأسد والحفاظ على البلاد وضبط انتقالها بعده، كما أن الوضع الطائفي في العراق في ظل حكومة المالكي يمثل سياقا مثاليا لعودة تنظيم القاعدة في العراق كما يتبدى في العديد من عملياته السابقة.

 

الإسلام الوسطي والهوية الوطنية أفضل وسيلة لهزيمة القاعدة 

في رأيك هل يمكن لشبه الجزيرة تحديداً أن تنجح في تجنب مشاريع القاعدة وهجماتها؟ وبأية وسائل وآليات؟
نعم، يمكن ذلك بترسيخ الإسلام الوسطي ومفهوم الهوية الوطنية لهذه الدول والاستراتيجيات والسياسات الثقافية والشبابية الفاعلة والملتحمة التي تضيق على التطرف سبله، فالأيدلوجية المنغلقة والمتطرفة والقتالية - بشتى أنواعها- تنتشر في الفراغ الثقافي وغياب الفهم الوسطي والتعايشي.

ذكرت أن من آليات مواجهة مشاريع القاعدة ترسيخ مفهوم الوطنية، هل لك أن تشرح لنا العلاقة بين الحس الوطني والقدرة على مواجهة هذه التنظيمات؟ وإلى أي حد يمكن أن يؤثر حلم الخلافة الإسلامية لدى البعض على الإنتماء والمصلحة الوطنية؟
الوطن ومفهوم الدولة الوطنية مفهوم حديث يقوم على المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين، وهو مفهوم مدني أو دنيوي وليس مفهوما دينياً.. أي لا يصنع تمييزاً على أساس طائفي أو ديني،  بل يكرس حقوق المواطنة، وشعور الإنسان أنه ينتمي لفضاء جغرافي سياسي محكوم به، وعليه واجبات تجاهه، وله حقوق إنسانية فيه، فتكريسه كانتماء أمر مطلوب حتى لا يتقدم انتماء الدين والطائفة، فنجد هندوسيا في بريطانيا يفكر في هندوستان، أو مصري يفكر في الهجرة الى دولة طالبان وهو ما عانت منه العديد من الدول العربية منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

 وماهي أهم وسائل تعزيز مفهوم الوطنية؟
المواطنة، وتعزيز التفكير العلمي، والاعتدال الديني، وتنشيط الذاكرة الوطنية، واحترام الاختلافات الثقافية، أمور تجتمع لتمثل ما يعرف بالخصوصية الثقافية للمجتمع، ويجب تعزيزها دون انغلاق.

من وجهة نظرك، هل تجدي آلية اغتيال زعماء القاعدة في الحد من خطورة التنظيم وعمله أم أنها آلية أثبتت فشلها؟ وهل ثمة آليات أخرى يمكن اللجوء إليها؟
لا شك أن آلية الاغتيال منذ عام 2010 بمقتل مصطفى أبو اليزيد ثم مقتل أسامة بن لادن وتبعه عطية الله وأبو يحي الليبي وعدد من قادة الفروع المهمين في مناطق أخرى، ساعدت كثيراً في تراجع التنظيم وتجميد نشاطه وفقدان بريقه، ولكن تبقى الخطورة الآن في التنظير والفرص المتاحة في الفراغ وليس في القيادة المركزية المحصوره في جبال وزيرستان وأفغانستان.

هل تتعامل الأنظمة العربية بشكل جدي مع دراسة تنظيم القاعدة ومعرفة آلياته وأيديولوجياته؟
هذا هو الواقع ولكنه ليس المأمول؛ فلا زالت الأيدولوجية المتطرفة والخطاب المتماهي مع خطاب القاعدة نشطين حتى داخل مؤسسات إعلامية وشبه رسمية لا يجد من يقاومه فضلا عن أن بعض المناهضين لهذا الفكر ليسوا دائما بالمستوى الفكري المطلوب لهذه المواجهة وخاصة من تحولوا عن الفكر المتطرف للفكر الليبرالي؛ فقد ظلت ذهنية التطرف مسيطرة عليهم، وصاروا "براجماتيين"أكثر منهم فكريين وهناك نماذج لذلك كثيرة في مصر والسعودية وغيرهما، ولكن لعل المراجعات التي صدرت في مصر والسعودية عن بعض قادة هذه التنظيمات هي الأهم في هذا المضمار، ومن المهم تسليط الضوء عليها دائما خاصة مع احتمالات التراجع عن هذه المراجعات لدى بعض الأجنحة الجهادية السابقة في دول الربيع العربي.

هل يمكن أن يكون ثمة تعاون ما بين القاعدة وبين الولايات المتحدة وإسرائيل حالياً ومستقبلاً؟
أستبعد ذلك، فالقاعدة قامت على عداء هؤلاء ولكن التعاون الذي يبدو أنه بدا في التحول كان مع الإسلام السياسي المعتدل أو غير العنفي الصاعد في دول الربيع العربي، كواجهة دينية معتدلة لمواجهة تنظيمات عنيفة في هذه البلاد، والخوف من أن يتحول كما تحولت الخومينية الإيرانية لأعداء للولايات المتحدة في النهاية.

كيف تنظر إلى مستقبل التيارات الإسلامية الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي؟
أزمة صورة، وحقيقة واقع يحتاج الكثير، وجمود نظري في حاجة لتطوير وبحاجة لثورة على مستوى التفكير والمراجعات والانتقال من فقه الجماعة والتنظيم إلى فقه الدولة، وتجاوز وهم نظري قديم بأننا نعيش في العالم وحدنا.

ما الذي يسيء أكثر إلى سمعة التيار الديني في منطقتنا: الصراع على السلطة؟ أم الفتاوى الدينية الخاصة ضيقة الأفق؟
كلاهما، وأهم منهما الفجوة بين الوعود والممكن والمنفذ، فالأيدولوجيا وعود ولكن الواقع استراتيجيات وممكنات وهذا هو التحدي الكبير. 

 

السيناريو الأفغاني غير مستبعد في مصر 

من واقع دراساتك للجماعات الدينية، إلى أى حد يكون صراع التيارات الإسلامية على السلطة في مصر وارداً؟
وارد بقوة، وهو ما حدث فيما بعد جلاء السوفيت، خاصة حين يكون على الحكم والتحكم. حدث في أفغانستان، وحدث  في العراق، وفي العديد من المناطق، فالتنظيمات الأيدلووجية المغلقة أول أعدائها منافسوها ومصارعوها على المرجعية.

ما توقعاتك بشأن مصير جبهة الإنقاذ في مصر وعلاقتها برجل الشارع المصري؟
برأيي أن جبهة الإنقاذ أبرز وجوه المعارضة المصرية الآن، ولكن المعارضة في عهد الرئيس مرسي أوسع بكثير من أي تمثيلية سياسية، إنها تمتد في صفوف القضاء والإعلام المرئي والمكتوب وفي صفوف الإسلاميين كما يتجلى من المواقف المتأخرة لحزب النور السلفي  وكذلك منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية التي ترفض مشروع القانون المقدم بخصوصها والكثير من رجال الأعمال ومناطق جغرافية تبدي غضبها من أحوالها.. بل اقتحمت المعارضة ما يدعى مؤسسة الرئاسة وحديث الاستقالات ليس ببعيد، للأسف المشكلة ليست في جبهة الإنقاذ أو المعارضة ولكن في أداء الحكومة، والرئيس الذي أتى عن طريق الانتخاب فإذا به يوالي منذ توليه المعارك وانتقاص السلطات الأخرى القضائية والإعلامية، واختزل مدة إعداد الدستور من ثمانية شهور إلى ستة شهور، وما يأتيه كذلك بعض حلفائه وأنصاره من محاصرة المحاكم  وفي مقدمتها المحكمة الدستورية العليا والمؤسسات وهو ما أدى كذلك إلى ما نرفضه من محاصرة قصره ومحاولة الهجوم عليه.

ميليشيات الإخوان والتيارات الإسلامية.. الفرقة 95 إخوان.. التمويل الخارجي، هل هذه حقائق أم أوهام؟
لست قاضياً ولا محققاً وأحترم تخصصي كباحث هناك عنف تأتيه بعض التيارات الدينية، وكذلك عنف مضاد تاتيه بعض الجماعات المدنية، وهناك عنف عشوائي يلف المجتمع ككل، والحوادث الاجتماعية والاهلية ربما ضحاياها الذين لا ننتبه لهم أضعاف ما يسقط في معارك السياسة والسلطة والمعارضة، ولكن أرجح وجود ما يسمى بميليشيات الإخوان مما شاهدناه من معركة الاتحادية في بدايتها حين تم الهجوم على المعتصمين حولها من قبل شباب قادم من محافظات بعيدة وكذلك في حصار الدستورية في 2 ديسمبر وذلك أظنه طبيعيا في كل التنظيمات الايدولوجية العنقودية.

أنت مع حرية مطلقة أم مقيدة للإبداع في مصر؟ وهل هناك ظلم واقع على الإسلاميين في هذا الإطار؟
أنا مع حرية الإبداع وليست حرية الإدعاء، وتراثنا الإسلامي الذي تحمل أبا نواس ووالية بن الحباب وعمر بن أبي ربيعه وابن الراوندي الزنديق قدوة لنا في تحمل هؤلاء ومجادلتهم بالحسنى.

وأنت صاحب كتاب "المتحولون دينياً ومذهبيا"، كيف تنظر لمشكلات التحول الديني في مصر وموقف كل من الكنيسة والأزهر منها، وكذلك موقف المجتمع؟
في دراستي المعمقة حول هذا الموضوع والتي اتسعت لعشرات أو مئات من سير المتحولين في التراث والمعاصرة أرى أن المشكلة في هذه القضية كامنة في التهويل والمبالغة؛ فالبعض يتحول لأسباب غير دينية، ربما عاطفية وربما مالية وربما سلوكية، بينما تحول البعض لأسباب دينية هو القليل النادر، ومن المؤكد أنه لن ينهزم دين بخروج أحد معتنقيه كما لن ينتصر آخر بانتساب عابر أو  فرد له.. فالقضية يتم تهويلها، كما يتم تجاوز تاريخيتها فهي مكرورة عبر التاريخ وتحملها كذلك التاريخ الإسلامي كما تحملها التاريخ المسيحي والفكري عموما.

 

أمن إسرائيل هو المهم، وعلاقة مصر وأمريكا مجرد مصالح 

في ظل تعمد الرئيس مرسي تأخير لقائه بالرئيس الأمريكي، هل ترى العلاقات المصرية الأمريكية أصبحت على المحك أم أن هناك مراوغات مقصودة؟
ليست لدى معلومات! ويكفي أن أوباما قال بعد أحداث السفارات الأخيرة إن مصر ليست صديقاً وليست عدواً، وعموماً خطاب الرئيس مرسي حتى الآن ليس خطابا أردوغانيا براجماتيا ولا زال خطابا إخوانيا.

لكن ما الذي يعنيه هذا بخصوص حقيقة العلاقات الثنائية بين مصر وأمريكا الآن؟
حفظ أمن إسرائيل يظل القضية الأهم لدى أمريكا، وقد نجح الرئيس مرسي في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في حرب غزة ـ اسرائيل الاخيرة. وأنا ضد الجبرية التامرية أن ما تريده أمريكا يكون وأنها قادرة على دعم الإخوان أو دعم غيرهم كما يتحدث البعض، فامريكا لم تتخذ قرار بوعزيزي بحرق نفسه أو اتخذت قرار معركة الجمل، كما أنها عاجزة في إيران وسوريا وبعض المناطق الاخرى.

كيف تقيّم مشروع النهضة الإخواني حتى الآن؟
هذه التزامات الرئيس التي ألزم نفسه بها وعلينا أن ننتظر، وأدعو الله من القلب أن يكون لديه مشروع للنهضة وليس مجرد خطوط عامة كما قال المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، وأن ينجح في وعوده، ومن الإنصاف أن ندرك أن فترة محاسبة الرئيس مرسي تبدأ من بدء تولي الحكومة، وليس من يوم توليه الذي انشغل فيه بمعركته مع المحكمة الدستورية العليا لإعادة البرلمان ثم بمعركته مع العسكر وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل. وعموماً الأيام القادمة ستثبت بالتأكيد نجاح الرئيس من عدمه. 

إلى أى حد ترى الانتخابات البرلمانية القادمة مهمة بالنسبة للمصريين في ظل دستور يعترض عليه البعض؟
القانون رفضته الدستورية ولا زلنا ننتظر، بعد طعن الرئاسة غير المتوقع على رفضها، وظني أن المناخ الاجتماعي ملتهب ومشتعل اضراب للشرطة وغضب وثورة في صفوف القضاء ولغة تغالب لا توافق سائدة وغياب مشروع ورؤية. أما الدستور الذي اضطرت لجنته للتصويت عليه ليلا حتى الصباح وقاطع الإشراف عليه جل القضاء الجالس أو العالي فلا شك أنه دستور معيب في كثير من أجزائه ولم يتح للشعب فرصة كافية للتعرف عليه بل تم في عجلة الأمور واستعجال السلطة والهيمنة من قبل الرئيس وحزبه، وليتهم كانوا أكثر هدوءًا مما كان، فالراعي يكون من الرعية والرعية تكون كما يكون.

 

الضبطية القضائية عبث

على هامش التوتر الأمني في مصر، ما رأيك في منح الضبطية القضائية للمواطن المصري مؤخراً؟ وما توقعاتك بشأنها؟
أرفضه، فهذا يعني انهيار الدولة فحين يضبط مواطن مواطنا هذا يعني قانون القوة والتغالب والافتراس وظني لن يكسب منه إلا حلفاء السلطة أو الفاسدون والمجرمون، فلا اتصور استاذاً جامعيا يمكنه ضبط حرامي أو بلطجي بل العكس وليثبت من يثبت. الدولة والأمن كان ينبغي أن يعالج بشكل مختلف استيعابي وتصالحي وليس بهذا الشكل الراديكالي كعادة القرارات الأخيرة في مصر.

أنت مع إطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن أم مع بقائه مسجوناً؟ وهل ترى فيه خطراً متوقعاً على مصر والمنطقة؟
من المهم متابعة الموضوع بحكم أن الرجل مصري ولكن القضاء الأمريكي لديه حيثياته في الحكم عليه وعلينا أن نتعاطى مع المؤسسات الغربية بطرائقها وآلياتها. ولكن لا نملك قرار الإفراج عنه خاصة إن كان مظلوما، مع تأكيدات القاعدة وبعض الجهاديين أنه ضد المراجعات وأنه من منظري القاعدة وأسال الله لي وله العدل.

إلى أى حد تلعب ظاهرة "الإسلاموفوبيا"لدى الغرب في دوراً في علاقته بالإسلام حباً وكراهية؟
لدينا أيضا ما يعرف بـ "الغرب فوبيا"، وكما أحرق قس القرآن أحرق متطرف موتور في مصر الإنجيل. التعايش قانون للعيش ولا يصح أن نطلبه منهم دون أن نعطيه لهم أيضا، ويبدو أن المعتدلين في الطرفين مظلومون بهذه التوجهات.

في الختام كيف تقيّم حركة حوار الأديان في العالم العربي ونظيرتها أيضاً في الغرب الأوروبي؟
هي حركة لا زالت نخبوية وبعض الممثلين والمشاركين فيها مجرد أكاديميين "استاتيكيين"لا يطورون من ثقافة شعوبهم، كما أنه لا توجد سياسات ثقافية نشطة تكرس لثقافة التعايش والاحترام، فاحترام مقدسات الآخرين دين، وكما قال الله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم".  

الدكتورة زينب عبد العزيز: أخطاء المسشرقين حفزتني على التصدي لمهمة ترجمة معاني القرآن للفرنسية

$
0
0
صاحبة أحدث ترجمة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية

الدكتورة زينب عبد العزيز: أخطاء المسشرقين حفزتني على التصدي لمهمة ترجمة معاني القرآن للفرنسية

عربيات - القاهرة: سمر الحلو

بعد محاولات جادة للكشف عن الأخطاء المسيئة للإسلام في ترجمة معاني القرآن الكريم للغة الفرنسية، اتجهت أستاذ الحضارة الفرنسية بجامعة الأزهر الدكتورة زينب عبدالعزيز إلى إصدار أحدث ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية، لتكون بذلك أول امرأة مصرية تتصدى لهذه المهمة، وتقدم إنجازاً يضاف للمكتبة الإسلامية. الدكتورة زينب عبد العزيز تكشف لـ"عربيات"في هذا اللقاء عن أهم المحفزات والصعوبات التي واجهتها أثناء الترجمة، مشيرة إلى انعكاساتها الإيجابية، وتطلعاتها لدعم هذا النوع من المشاريع.

 

كيف تعاملت مع فكرة ترجمة معانى القرأن الكريم الى اللغة الفرنسية؟
راودني إحساس بالرهبة والتردد عند اتخاذ قرار ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، خاصة وأننى لست خريجة "أزهرية"، وإنما أعمل رئيس قسم اللغة الفرنسية بكلية البنات في جامعة الازهر، لذا فكرت كثيراً قبل الإقبال على هذه المهمة الشاقة، وبفضل الله تعالى ثم لغيرتى على ديني وعلى القرآن الكريم أقدمت على هذه الخطوة دون تراجع، حيث ألغيت كافة التزاماتي وتفرغت للترجمة، وكنت أصلى يومياً صلاة التهجد 15 ركعة وأدعو الله أن يوفقنى. استغرقت الترجمة 10 سنوات، و15 ساعة عمل يومياً، وكانت التحدى بالنسبة لي هو التصدى لأخطاء المستشرقين، ومحاولات التطاول على الإسلام والتعرض للقرآن الكريم.

 

ذكرت في أحد تصريحاتك أن ترجمة المستشرق الفرنسى "جاك بيرك"للقرآن استفزتك كثيراً وكانت وراء إصدار هذه الترجمة للرد عليه، فما هذه الأخطاء التى قمت برصدها؟
هذا صحيح، انزعجت كثيراً من ترجمة المستشرق الفرنسى جاك بيرك وصدمتنى للغاية لأنها تضمنت أخطاء معيبة، ومغالطات وتجاوزات وتطاول على القرآن الكريم و الإسلام. كما استفزنى التحريف المغرض والمقصود لتشويه صورة القرآن والإسلام. فعلى سبيل المثال وليس الحصر رصدت أخطاء كثيرة منها إهانة الذات الإلهية باسفاف، فهناك آية "يتوب الله"التي نفهمها بأن الله يتوب على عباده من الذنوب، فى حين قام بيرك بترجمها معتبراً أن الله – عز وجل - يخطىء ويتوب - والعياذ بالله -، ومن ثم فهو غير أمين على ترجمة القرآن، بالإضافة إلى أنه كتب مقدمة من 82 صفحة تأتى بعد الترجمة كنوع من الإحترام للقرآن على - حد قوله – بينما كان في واقع الأمر ينتقده، ويقول أن القرآن والإسلام غير صالحان لكل زمان ومكان، وأن لكل أجل كتاب، ولابد أن ينتهى القرآن فى يوم ما، وأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نقل سور وآيات نادرة مثل سورة الاخلاص من الشاعر "فارمنتيس"، وأن سيدنا ابو بكر هو من قال ذلك. وبالتالى يقصد جاك ضرب الإسلام بواسطة تلك الترجمة، بالرغم من كونه أستاذاً فى جامعة فرنسية شهيرة، وعضو بمجمع اللغة العربية، أي أنه متمرس فى اللغتين الفرنسية والعربية معاً.

أهم الصعوبات تكمن في اختلاف الوعاء اللغوي بين العربية والفرنسية

ماذا عن الصعوبات التى واجهتك أثناء الترجمة؟ وهل هناك فقهاء أو علماء شاركوا معك في الترجمة؟
إطلاقاً، لم يساعدنى أحد في الترجمة لأنني على يقين بأن كل كل شخص قد يحاول أن يفرض وجهة نظره، وقد يربكنى ذلك ويشتت تركيزى ويعيق الترجمة، لذا اعتمدت فقط على الاستعانة بأحد أساتذة أصول الفقه والشرع بالأزهر، خاصة عندما أختار بين عدة كلمات لمعنى من معاني القرآن الكريم، فقد تظهر لي على سبيل المثال 5 احتمالات وينصحني الفقيه بالكلمة الأقرب للعربية. وأدين بالشكر لرئيس قسم اللغويات بجنيف، الذى واتتنى الفرصة لمقابلته أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه، وعرضت عليه فكرة الترجمة والخطوات التى نفذتها، فشجعنى ونصحني بالاستمرار دون أن أتوقع تهنئة أو تكريم  من الأكاديمية الفرنسية على اشتقاق كلمات جديدة بالفرنسية من خلال هذه الترجمة كوني مصرية ومسلمة. وبالنسبة للصعوبات التى واجهتنى أثناء الترجمة، فهى ذات الصعوبات الأساسية التى تواجه جميع المترجمين، وهى الاختلاف الكبير بين الوعاء اللغوي في اللغة الفرنسية واللغة العربية، خاصة وأن الأخيرة شديدة الاتساع، والجذر فيها يعطى 80 تصريفة، على عكس الفرنسية التى تفتقد صيغ فعلية كثيرة، وقد تغلبت على ذلك بالرجوع للقواميس والبحث عن الكلمة والمقابل لها، مع استشارة أستاذ أصول الفقه إذا لزم الأمر حتى أستقر على الكلمة المناسبة فى الترجمة.

 

ما هو المنهج الذى اعتمدت عليه فى ترجمة معانى القرأن الكريم؟
لم أعتمد على إضافات أو شروحات أو هوامش كثيرة فى الترجمة مثل غيري، فهناك ترجمات طويلة للغاية والآية بها مترجمة في عدد كبير من الأسطر التي قد تشعر القارىء بالملل والتخبط فى المعنى، كما تعطي إنطباع بأن المترجم يحاول أن يفرض مفهومه على القارىء، لذا اعتمدت على الاسلوب المبسط السلس، الذي يوضح الفكرة والعبارة والكلمة دون ضياع المعنى، وحرصت على أن تكون الهوامش بالترجمة فقط لاظهار قيمتها وإبراز الإعجاز العلمي للآيات، وتوضيح هذا للغرب بكلمات مبسطة، خاصة لأولئك الذين لا يؤمنون بالغيب، أو بحاجة لأدلة وبراهين للإقتناع.


 

 700 شخص أشهروا إسلامهم فى افريقيا بالاستعانة بالترجمة

يقال أنه يشترط مرور 3 سنوات على إصدار الترجمة لاعتمادها والإعتراف بها من قبل الازهر، فهل هذا صحيح؟
لا أعتقد ذلك، لكن المتعارف عليه أنه عند الانتهاء من أى كتاب يتعلق بالإسلام تتم مراجعته من قبل الازهر، وأنا شخصياً قدمت ترجمتي إلى الشيخ أحمد الطيب وكان المفتى وقتها فأشاد بالترجمة وصرح إعلامياً بأنها تعد من أفضل الترجمات التى مرت عليه، وأشاد بما بذلته من جهد لإنجازها معتبراً أنه عمل قد لا تتمكن منه مؤسسة مكونة من عشرات الرجال ده مثبت بالتواريخ. غير أن الموقف السلبي كان من دور النشر التي لم تتبنى حتى الآن طباعة وتوزيع وتسويق هذه الترجمة. وللأسف مؤسسة الأزهر لا تطبع ترجمات المصاحف غيرالعربية، علماً أنني لم أفكر في الأمر بشكل تجاري بقدر ماكان توجهي لتحويله إلى صدقة جارية للجمعيات الخيرية غير الربحية. أما على صعيد تحقيق الترجمة لأهدافها فقد أبلغنى رئيس جمعية تبليغ الدعوة بالإسكندرية بأن 700 شخص فى إفريقيا أشهروا إسلامهم بعد إطلاعهم على الترجمة، بالإضافة إلى أن جمعية الدعوة الإسلامية العالمية في ليبيا تبنت طباعة الترجمة وأعلنت ذلك فى توصيات مؤتمر أقيم مؤخراً بهدف إيصال هذه الترجمة للشعوب "الفرنكفونية"، كما أن دولة المغرب تطبع طبعة ثانية من الترجمة، وسوف تخصص جزء للتوزيع مجاناً وجزء للبيع. 

 

ماذا عن موقع الفن التشكيلي من حياتك الآن؟
الفن التشكيلى هواية أعشقها ولا أستطيع أن أتوقف عنها، فقد قدمت 50 معرضاً منذ عام 1955 وحتى 2005، وحالياً أعد مقالة نقدية بعنوان "موقف الغرب من الإسلام"وسوف أقوم بترجمتها للفرنسية، ولكننى لن أتوقف عن الكتابة أو الرسم أبداً ولن أعتزلهما فى حياتي.

Viewing all 47 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>